أقول: حرمة أكل المال بالباطل لا تقبل التخصيص، فالإجماع كاشف عن عدم البطلان، و أنّ بناء العرف على بطلان بيع المخدوع، مع عدم السلطنة على الردّ خطأ منهم، فبعد الاطّلاع- أيضا- كذلك.
و يمكن تقريب الاستدلال بوجه آخر، و هو: أنّ العرف لا يحكم بمجرّد وقوع الخدع على بطلانه، بل هو عندهم موجب للسلطنة على الردّ، فأكل المال بعد الردّ- مستندا الى هذا البيع- أكل بالباطل، لزوال البيع بالردّ.
ثمَّ إنّه- (رحمه اللّه)- أورد على الاستدلال بأنّ ذلك معارض بقوله تعالى «إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ» بناء على أنّ التراضي حاصل في بيع المغبون، فمع التكافؤ يرجع الى أصالة اللزوم.
و أجاب عنه: بأنّ التراضي مع الجهل بالحال لا يخرج عن كون أكل الغابن لمال المغبون الجاهل أكلا بالباطل.
قلت: ظاهر الجواب يساعد المعارضة، ضرورة أنّ مع خروج أكل الغابن في هذا الحال عن الأكل بالباطل بسبب التراضي، بكون آية التراضي حاكما على آية حرمة الأكل.
و لو قلنا: إنّ قوله: (لا يخرج) غلط من الناسخ، و إنّ النسخة هي (يخرج) بدون كلمة (لا) فهو و إن اقتضى بطلان المعارضة إلّا أنّه لا يتمّ معه الاستدلال، لما عرفت من أنّ آية التراضي- بناء على ذلك- حاكمة على أنّه حرمة الأكل، و اللازم- حينئذ- تقديم الحاكم على المحكوم عليه.
و الحاصل: أنّ آية التراضي- على تقديري- حكومتها على آية حرمة الأكل، و عدمها يبطل الاستدلال.
غاية الأمر، أنّ اللزوم ثابت على الأوّل بالآية، و على الثاني بالأصل. و يمكن أن يكون المراد من الجواب: أنّ آية التراضي لا تشمل مورد صدق الباطل، فما لم يكن التراضي مخرجا للتجارة- عن كون الأكل مستندا إليها أكلا بالباطل- لا يصحّ التمسّك بالآية لإثبات الصحة.