برؤيتها، ثمّ يثبت في ذاكرة من يراها ساعة يرحل عنها.
فلعلّ الزّمن كان خليقا أن يعبر بها سنة بعد سنة، و عصرا بعد عصر دون أن يسمع لها اسم، أو يحس لها بوجود ... و شاءت مصادفة من المصادفات أن يساق إليها ركب الحسين بعد أن حيل بينه و بين كلّ وجهة أخرى، فاقترن تأريخها منذ ذلك اليوم بتأريخ الإسلام كلّه. و من حقّه أن يقترن بتأريخ بني الإنسان حيثما عرفت لهذا الإنسان فضيلة تستحق بها التّنويه و التّخليد.
فهيّ اليوم حرم يزوره المسلمون للعبرة و الذّكرى، و يزوره غير المسلمين للنّظر و المشاهدة، و لكنّها لو أعطيت حقّها من التّنويه و التّخليد، لحقّ لها أن تصبح مزارا لكلّ آدمي يعرف لبني نوعه نصيبا من القداسة، و حظّا من الفضيلة، لأنّنا لا نذكر بقعة من بقاع هذه الأرض يقترن اسمها بجملة من الفضائل و المناقب أسمى و ألزم لنوع الإنسان من تلك الّتي اقترنت باسم كربلاء بعد مصرع الحسين فيها» [1].
هذه شهادة حقّ من خبير منصف، لقد اقترن تأريخ كربلاء بتأريخ الإسلام كلّه، فما من كتاب في تأريخ العرب و المسلمين إلّا و لكربلاء منه الحظّ الأوفر، كما ظهر أثرها في كتّاب الغرب، و دواوين الشّعراء، و ما ذكرت على لسان، أو في كتاب إلّا بالإكبار و التّعظيم، و لو لا الحسين لم تكن شيئا مذكورا:
ما روضة إلّا تمنّت أنّها* * * لك مضجع و لخطّ قبرك موضع [2]
[1] انظر، كتاب «أبو الشّهداء الحسين بن عليّ»: 112، طبعة القاهرة.