و قد لا تكون هذه الأحداث في حسبان الشّيخين، و لا من مقاصدهما حين دبّر الأمر ضدّ عليّ، و نحّيّاه عن الخلافة، و لكنّها جاءت نتيجة طبيعيّة لخلافتهما ... و قد برّرا هذا التّدبير بخوف الفتنة، و عدم إجتماع كلمة العرب و قريش على عليّ، «لما قد وترها»- كما قال عمر- و قد أبطلت سيّدة النّساء هذا الزّعم بخطبتها الشّهيرة الّتي ألقتها على الخليفة الأوّل و الأصحاب في مسجد أبيها، حيث قالت: زعمتم خوف الفتنة: أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَ إِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ[1].
فأفهمتهم أنّ الفتنة و الشّقاق فيما دبّروا و تآمروا، كما ذكّرتهم:
كيف كانوا في جاهليتهم؟ و كيف صاروا بفضل أبيها، و جهاد ابن عمّها، ثمّ وازنت بينهم و بين بعلها أمير المؤمنين، بقولها:
«كان عليّ (عليه السّلام) مكدودا في ذات اللّه، مجتهدا في أمر اللّه، قريبا من رسول اللّه سيّدا من أولياء اللّه، مشمّرا ناصحا، مجدّا كادحا، و أنتم في بلهنيّة من العيش، وادعون فاكهون آمنون، تتربصون بنا الدّوائر، و تتوكفون الأخبار، و تنكصون عند النّزال، و تفرّون عند القتال، فلمّا اختار اللّه لنبّيه دار أنبيائه، و مأوى أصفيائه ظهرت فيكم حسيكة النّفاق ... و أطلع الشّيطان رأسه من مغرزه هاتفا بكم، فالفاكم لدعوته مستجيبين، و للغرّة فيه ملاحظين، ثمّ استنهضكم فوجدكم خفافا» [2].
[2] انظر، بلاغات النّساء لابن طيفور: 14، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 16/ 251، جواهر المطالب في مناقب عليّ بن أبي طالب لابن الدّمشقي: 1/ 160، شرح الأخبار: 3/ 36، السّقيفة و فدك للجوهري: 143، كشف الغمّة: 2/ 111.