و ذلك لكثرة عبادته و صمته عن اللّغو، و قد راع أبا حنيفة منظر الإمام الصّادق، و اعتراه من الهيبة له ما لم يعتره من الهيبة للمنصور صاحب الطّول و الحول و القوّة، و التقى به ابن أبي العوجاء، و هو من دعاة الزّنادقة فارتاع، و لم يحر جوابا، فتعجب الصّادق من أمره، و قال له: مالك؟! ... فقال: ما ينطق لساني بين يديك، فإنّي شاهدت العلماء، و ناظرت المتكلمين، فما داخلني قطّ مثل ما داخلني من هيبتك [1]! ..
هذه بعض صفاته النّفسيّة، و ببعضها يعلو على الرّجال، و يرتفع إلى أعلى المراتب، فكيف و قد تحلّى بهذه الصّفات و غيرها [2]؟! ..
علومه:
انصرف الإمام الصّادق بكلّه إلى العلم، فلم يشغل نفسه بشيء سواه، و كان مخلصا للّه في إحياء العلم و نشره، يرشد الضّال، و يهدي إلى الحقّ، و يردّ الشّبهات، و يدفع الزّيغ، و يعمل على تنقية عقائد المسلمين ممّا اعترى بعضها من الإنحراف، و يبث روح التّسامح، و يمنع الطّائفيّة، فكان بذلك الإمام الصّادق حقّا، و حفيد الإمام عليّ، و سيّد العترة الطّاهرة.
و كان يدرس علم الكون، و ما اشتمل عليه، و من تلاميذه الكيمائي الشّهير جابر بن حيّان [3]، تلقى عنده علم الكيمياء، و وضع فيه رسائل، طبع منها