الغاصبون، و اتّخذوا من ثمارها وسيلة إلى الكبرياء، و التّعاظم علينا، و هي لنا و من ميراثنا الّذي ذهلنا عنه حتّى أصبح فريسة الذّئاب.
قرأت في مجلّة «المختار» كلمة بعنوان «أطع هذا الحافز» للدّكتور وليم مولتون، و هي على طولها و عرضها تتلخص بجملة نطق بها أحد أبطال الطّفّ الّذين ناصروا الحسين بن عليّ. و هو عابس بن أبي شبيب البطل العربي، قالها عند ما رأى السّيوف، و الرّماح، و السّهام، و الأحجار تنهال و تتراكم على الحسين و أهل بيته و أصحابه، فأججّ هذا المنظر في نفسه شعلة جعلت الدّماء تشب في عروقه كاللّهب المضطرم، و خيّل إليه أنّ السّماء و الأرض قد استحالتا إلى دخان و رماد، فنظر إلى مولى كان معه يدعى شوذبا [1]، و ناداه يا شوذب ما في نفسك أن تصنع اليوم، قال شوذب: اقاتل حتّى أقتل دون ابن رسول اللّه، قال عابس ذلك الظّن بك- أنّه لا عمل بعد اليوم- [2] حكمة بالغة ليس كمثلها شيء إلّا العمل بها، و لو قالها غربي لقرأتها في كلّ صحيفة و سمعتها من كلّ لسان، و لكنّه منّا، و عربي مثلنا.
و صدق شوذب القول بالفعل فقاتل حتّى قتل، و ماذا فعل عابس الّذي نطق بهذه الحكمة الخالدة- لا عمل بعد اليوم- تقدّم من الحسين و قال: أما و اللّه ما أمسى على وجه الأرض قريب أو بعيد أحبّ عليّ منك، و لو قدرت أن أدفع عنك القتل بشيء أعزّ عليّ من نفسي لفعلت، ثمّ مضى إلى المعركة فعرفه رجل
[1] انظر، تأريخ الطّبري: 4/ 338 و: 5/ 443 و 444، مقتل الحسين: 2/ 22، شرح الأخبار: