و لهذا نرى الشيخ المفيد
ينتقد بكل احترام و تبجيل رأي شيخه و أستاذه المحدث الكبير الشيخ الصدوق رحمه
اللّه في عدد شهر رمضان، و أهم من هذا فإننا نراه ينتقد كتاب أستاذه الشيخ الصدوق
الموسوم بكتاب عقائد الصدوق، و صرّح بكون تلك العقائد التي دوّنها ليس بعضها عقائد
للشيعة، بل هو أوهام توهمها، و أثبت خلافها. قال في تصحيح الاعتقاد ص 34- 35، حول
كلام الشيخ الصدوق في المشيئة و الإرادة:
«الذي ذكره الشيخ أبو
جعفر رحمه اللّه في هذا الكتاب لا يتحصل، و معانيه تختلف و تتناقض؛ و السبب في ذلك
أنّه عمل على ظواهر الأحاديث المختلفة و لم يكن ممن يرى النظر فيميز بين الحق منها
و الباطل و يعمل على ما يوجب الحجة، و من عوّل في مذهبه على الأقاويل المختلفة و
تقليد الرواة كانت حاله في الضعف ما وصفناه».
و قال أيضا في فصل
النفوس و الأرواح ص 63:
«كلام أبي جعفر في النفس
و الروح على مذهب الحدس دون التحقيق، و لو اقتصر على الأخبار و لم يتعاط ذكر
معانيها كان أسلم له من الدخول في باب يضيق عنه سلوكه».
و قال أيضا في هذا الفصل
ص 68:
«و الذي صرّح به أبو
جعفر رحمه اللّه في معنى الروح و النفس هو قول التناسخية بعينه، من غير أن يعلم
أنّه قولهم؛ فالجناية بذلك على نفسه و على غيره عظيمة. فأمّا ما ذكره من أنّ
الأنفس باقية فعبارة مذمومة و لفظ يضاد ألفاظ القرآن».
و قال أيضا في الفضل
المذكور ص 69، حول كلام الشيخ الصدوق:
«و الذي حكاه و توهمه هو
مذهب كثير من الفلاسفة الملحدين الذين زعموا أنّ النفس لا يلحقها الكون و الفساد و
أنّها باقية، و إنّما تفني و تفسد الأجسام المركبة. و إلى هذا المذهب ذهب بعض
أصحاب التناسخ و زعموا أن الأنفس لم تزل تتكرر في الصورة و الهياكل، لم تحدث و لم
تفن و لن تعدم، و أنّها باقية غير فانية. و هذا من أخبث قول و أبعده من الصواب! و
بما دونه في الشناعة و الفساد! شنّع به الناصبة على الشيعة و نسبوهم إلى الزندقة!
و لو عرف مثبته بما فيه لما تعرض له؛ لكن أصحابنا المتعلقين بالأخبار أصحاب سلامة،
و بعد ذهن و قلة فطنة، يمرون على وجوههم فيما سمعوه من الأحاديث و لا ينظرون في
سندها، و لا يفرقون بين حقها و باطلها، و لا يفهمون ما يدخل عليهم في إثباتها و لا
يحصلون معاني ما يطلقونه منها».
نعم ليس عجيبا على كل من
جعل فكره متحررا، و كان لعقله حصة في جميع العلوم أن يكون