ثم إن لصاحب المعالم (رحمه اللّه) في هذا المقام كلاما يحتمل التفصيل المتقدم، لا بأس بالإشارة إليه، قال- في الدليل الرابع من أدلة حجية خبر الواحد، بعد ذكر انسداد باب العلم في غير الضروري من الأحكام، لفقد الإجماع و السنة المتواترة، و وضوح كون أصل البراءة لا يفيد غير الظن، و كون الكتاب ظني الدلالة ما لفظه-:
لا يقال: إن الحكم المستفاد من ظاهر الكتاب مقطوع لا مظنون، و ذلك بضميمة مقدمة خارجية، و هي قبح خطاب الحكيم بما له ظاهر و هو يريد خلافه من غير دلالة تصرف عن ذلك الظاهر.
سلمنا 1، و لكن ذلك ظن مخصوص 2، فهو من قبيل الشهادة لا يعدل عنه إلى غيره إلا بدليل.
لأنا نقول: أحكام الكتاب كلها من قبيل خطاب المشافهة، و قد مر 3 أنه مخصوص بالموجودين في زمن الخطاب، و أن ثبوت حكمه في حق من تأخر إنما هو بالإجماع و قضاء الضرورة باشتراك التكليف بين الكل، و حينئذ: فمن الجائز أن يكون قد اقترن ببعض تلك الظواهر ما يدلهم
(1) يعني: سلمنا كونه مفيدا للظن. دون القطع و لعل وجهه احتمال ضياع بعض القرائن علينا، أو تعمد إظهار خلاف المراد لمصلحة لازمة المراعاة.
(2) لما هو المعلوم من حجية الظواهر.
(3) مرّ منه التعرض لذلك في مبحث العموم و الخصوص. لكنه ذكر ذلك في خصوص خطاب المشافهة مثل: «يا أيّها النّاس» و: «يا أيّها الّذين آمنوا» و من الظاهر عدم كون جميع خطابات القرآن المجيد من هذا القبيل بل بعضها عام، مثل قوله تعالى: وَ ما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً و نحوه.