يكون الشارع عيّن واحدا منهما حين التعارض، و مع احتمال ذلك أيضا يصحّ الحكم بالتوقّف.
قلت:
أولا: الكلام مع الإغماض عن جميع الأشياء إلا دليل الاعتبار كما عرفت، و المفروض تساويهما بالنسبة إليه، فلا وقع للاحتمال المذكور مع هذه الملاحظة.
و ثانيا: مجرّد الاحتمال لا يكفي في إيجاب التوقف و الحكم بنفي الاحتمال الثالث الخارج عن الخبرين؛ كما هو لازم القول بالتوقّف.
إذا عرفت ما ذكرنا فنقول: مقتضى القاعدة في المتعارضين أولا الترجيح بما يأتي من أحد الوجهين:
إمّا بأقوائيّة المناط في أحدهما، كأن يعلم أنّ المناط في جعل الخبر هو الظن النوعي و الكشف الغالبي، فإذا كان أحدهما أعدل راويا أو أصدق فهو أقوى في المناط، فيكون هو مصبّ دليل الحجيّة من أول الأمر، و يخرج الآخر؛ فإنّه في قباله كأنه معدوم، و لذا ترى أنّ المولى من أهل العرف إذا قال لعبده ارجع إلى أهل الخبرة، و اختلف اثنان، و كان أحدهما أخبر؛ يقدم قوله، و لا يتوقف من جهة وجود المعارض، بل لا يجعله معارضا، لكنّ هذا إذا كانت الأقوائيّة بمقدار يجعل الآخر في جنبه كالمعدوم.
و إمّا بتعدد الدليل في أحد الجانبين، كأن يكون من أحد الطرفين خبر واحد، و من الآخر أزيد؛ فإنّه حينئذ يمكن أن يقال:
يبقى أحد الخبرين بلا معارض، و لذا في طريقة العرف يقدمون الاثنين من أهل الخبرة على الواحد، و أولى من ذلك أن يكون في أحد الطرفين دليلان- خبر و إجماع منقول بناء على حجيّته- و في الآخر أحدهما، أو كان أحد الدليلين داخلا تحت عنوانين من الحجّة و الآخر تحت عنوان واحد، فحال الأدلّة المتعارضة في الترجيحين المذكورين حال تزاحم الواجبين، حيث إنّه يقدم منهما الأهم و الآكد في الوجوب، و ما كان واجبا بعنوانين على ما ليس كذلك، غاية الأمر أنّ في التزاحم الدليل من حيث هو شامل لهما بظاهره من الوجوب العيني، و العقل يرجح في مقام