responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : البيان المفيد في شرح الحلقة الثالثة المؤلف : المنصوري، الشيخ أياد    الجزء : 1  صفحة : 346

[1]

الأول: القطع الموضوعي المأخوذ بما هو حجّة [2]

و يقصد به القطع الذي يؤخذ موضوعاً لحكم شرعي بوصفه منجزاً أو معذراً للتكليف، أي: لم يؤخذ القطع بما هو قطع، بل بما هو منجّز أو معذّر، ففي هذه الحالة لا شك في قيام الأمارة- المجعولة حجّة و المعتبرة من قبل الشارع- مقامه؛ و ذلك لأنه كما أن القطع بالتكليف يكون منجّزاً فكذلك الأمارة الدالة على التكليف تكون منجّزة للتكليف؛ لأنه لا معنى لجعل الحجّية للأمارة إلّا كونها منجّزة للتكليف فيما لو كان مفادها ثبوت التكليف، و معذّرة عن التكليف فيما لو كان مفادها عدم التكليف.

فالأمارة- إذن- تكتسب من دليل حجّيتها صفة المنجّزية أو المعذّرية، فتقوم مقام كل ما كان منجّزاً و معذّراً كالقطع. و يكون دليل حجيّة الأمارة- في هذه الحالة- وارداً على دليل الحكم الشرعي الذي أُخذ القطع في موضوعه؛ لأن دليل الحجية- حينئذ- يحقق مصداقاً حقيقياً لموضوع ذلك الدليل، و هذا هو ملاك الورود.

و لتوضيح ذلك نأخذ المثال التالي: لو ورد من الشارع «إذا قطعت بوجوب صلاة الجمعة، وجب عليك التصدّق» و قلنا: إن القطع هنا أخذ بما هو منجّز لما تعلّق به و طريق إليه، و أنه لم يؤخذ بعنوان أنّهُ قطع، بل بما هو عنوان مشير، و كمثال لكل ما كان من شأنه أن ينجّز التكليف، فيصبح معنى قوله السابق- على هذا- هو: «إذا تنجّز عليك وجوب صلاة الجمعة، وجب عليك التصدّق»؛ لأن القطع هنا أخذ مثالًا لمطلق ما ينجّز التكليف، و دليل حجيّة الأمارة يجعل الأمارة منجّزة للتكليف، فتقوم الأمارة مقام القطع الموضوعي المأخوذ بوصفه منجّزاً و معذّراً.

الثاني: القطع الموضوعي المأخوذ على وجه الطريقية

قوله (قدس سره) ص 81: «و أما إذا كان القطع مأخوذاً بما هو كاشف تام ... الخ».

و يقصد به القطع الذي يؤخذ موضوعاً لحكم شرعي باعتباره كاشفاً تاماً و طريقاً إلى متعلقه، ففي هذه الحالة لا تقوم الأمارة مقامه؛ لأن الأمارة- حتى مع جعل الحجّية لها- لا تكون كاشفاً تاماً عن مؤداها، فكيف تقوم مقام القطع الموضوعي المأخوذ بما


[1] قد تقدّم أن للقطع جهات عديدة:

الأولى: كونه صفة قائمة بنفس القاطع، في مقابل الظن والوهم و غيرهما من الصفات النفسانية الأخرى.

الثانية: كونه كاشفاً تاماً عن الواقع و طريقاً إليه، و هذا هو المقصود بطريقيّة القطع.

الثالثة: كونه منجّزاً فيما لو تعلّق بالتكليف، و معذّراً فيما لو تعلّق بعدم التكليف.

و حينئذٍ، فتارة يؤخذ القطع بما هو حجّة- أي: بوصفه منجّزاً و معذّراً-، فهنا لا إشكال في قيام الأمارة مقامه؛ لأن الأمارة سوف تكتسب من دليل حجيتها صفة المنجزية و المعذرية، و سوف يكون دليل الأمارة وارداً على دليل الحكم الشرعي الذي أخذ القطع في موضوعه و هذا ما أشار إليه السيد الشهيد بقوله: «فإن كان القطع مأخوذاً موضوعاً لحكم شرعي بوصفه منجّزاً و معذّراً».

و أخرى يؤخذ بما هو كاشف تام و هذا ما أشار إليه بقوله: «و أما إذا كان القطع مأخوذاً بما هو كاشف تام»، و هذا هو المعبّر عنه بالقطع المأخوذ على وجه الطريقية.

و تارة ثالثة، يؤخذ بما هو صفة نفسانية قائمة في نفس القاطع، و هذا هو القطع المأخوذ على وجه الصفتية، و هذا النحو من أنحاء أخذ القطع في الموضوع لم يتعرض له السيّد الشهيد في هذه الحلقة، و لكننا سوف نشير إليه إن شاء الله تعالى.

نكتة مهمة جداً:

و لا يتوهم أن قوله: «و أما إذا كان القطع مأخوذاً بما هو كاشف تام» إشارة إلى القطع الموضوعي المأخوذ على وجه الصفتية كما حصل ذلك لكثير ممّن تعرّض لشرح هذه العبارة؛ فإنّ مثل هذا التوهم باطل لأمور عديدة:

منها: إنّ كون القطع كاشفاً تاماً يري الواقع، غير كونه صفة نفسانية قائمة بنفس القاطع بما لها من الآثار، و مما يشهد لذلك ما ذكروه من جهات للقطع و قد تقدّمت، بل صريح كلام السيّد الشهيد في تقريرات بحثه، فقد قال: «إن العلم و إن كان نفسه انكشافاً، لكن له ملازمات في الخارج وجودية أو عدميّة، كراحة النفس و اطمئنانها و استقرارها و سكونها و غير ذلك، و حينئذٍ، تارة، يؤخذ العلم بماله هذه الخصوصيات الصفتية الموضوعية، و أخرى، يؤخذ بما هو انكشاف تام و ظهور بالذات للمعلوم، و الأوّل هو الموضوع على نحو الصفتية، و الثاني هو الموضوع على نحو الكاشفية».

و منها: أنّه لو كان قوله: «و أما إذا كان القطع مأخوذاً بما هو كاشف تام» إشارة إلى القطع الصفتي، لما صحّ إسناد قيام الأمارة مقامه إلى المحقق النائيني، مع أنّ صريح كلام المحقق النائيني هو عدم قيام الأمارات مقام القطع الموضوعي الصفتي، حيث قال في فوائد الأصول: ج 3 ص 21 «الثالث: قيامها- أي الأمارات- مقام القطع الطريقي مطلقاً و لو كان مأخوذاً في الموضوع و عدم قيامها مقام القطع الصفتي، و هذا هو الأقوى»، و قال أيضاً ص 26: «و أما قيامها مقام القطع المأخوذ على جهة الصفتية فلا يمكن؛ لأنه يكون حينئذ كسائر الصفات النفسانية، و مفاد حجّية الطرق و الأمارات تأبى عن إفادة ذلك؛ فإنّ مفادها الوسطية في الإثبات و إحراز الواقع، و أين هذا من تنزيل الظن منزلة العلم من حيث الصفتية؟ فقيام الظن مقام القطع من هذه الجهة، يحتاج إلى دليل آخر وراء أدلّة الحجّية».

و جاء عنه في أجود التقريرات ج 2 ص 14: «و أما إذا أخذ فيه على وجه الصفتية، فلا يمكن قيام الأمارات أو الأصول مقامه بالنظر إلى دليل اعتبارها؛ فإنّ دليل الاعتبار كما عرفت إنما تكفّل لإعطاء صفة الكاشفية و المحرزية فقط، و المفروض أنّ القطع لم يؤخذ بهذه الجهة موضوعاً للحكم، و الجهة التي بها أخذ في الموضوع لا يكون دليل الاعتبار ناظراً إليها و مثبتاً لها».

و منها: أنّ السيد الشهيد عند تعرّضه لقيام الأمارات مقام القطع الموضوعي المأخوذ على وجه الطريقية، و في مقام تعرّضه للإشكال الذي طرحه المحقق الخراساني قال: «و الإشكال المذكور إنما يتم في ما إذا لم يكن دليل الحكم الذي أخذ في موضوعه القطع قد أخذه بما هو حجّة و منجّز؛ فإنّه حينئذ يكون دليل حجّية الأمارة وارداً على ذلك الدليل بلا حاجة إلى تنزيل آخر، و هذا خارج عن محل البحث. فمورد الإشكال ما إذا كان دليل الحكم قد أخذ القطع بما هو قطع موضوعاً للحكم لا بما هو حجّة». و هذه إشارة واضحة منه إلى أن أخذ القطع بما هو قطع- أي بما هو كاشف تام- هو المعبّر عنه بالقطع المأخوذ على وجه الطريقيّة، و هو الذي وقع مورداً للبحث عن قيام الأمارات مقامه أو عدم قيامها. راجع بحوث في علم الأصول ج 4 ص 80

[2] هذا ما أشار إليه السيّد الشهيد بقوله: «فإن كان القطع مأخوذاً موضوعاً لحكم شرعي بوصفه منجّزاً و معذّراً».

اسم الکتاب : البيان المفيد في شرح الحلقة الثالثة المؤلف : المنصوري، الشيخ أياد    الجزء : 1  صفحة : 346
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست