اسم الکتاب : البديع في علم العربية المؤلف : ابن الأثير، مجدالدين الجزء : 0 صفحة : 77
الأول: التوازن بين الإيجاز و الإطناب:
حينما همّ ابن الأثير في تأليف كتابه، لا أشك في أنه عمد إلى كتاب من أهم كتب شيخه"ابن الدهان"، و هو المسمى بـ"الغرة في شرح لمع ابن جني" فاستقى منه أكثر مادة كتابه-كما سيأتى تفصيله [1] -، و كتاب الغرة لابن الدهان من أحسن الكتب التي ألفت في القرن السادس الهجرىّ، و من أجمعها قال عنه ابن خلكان: (و شرح كتاب اللمع-لابن جني-شرحا كبيرا يدخل في مجلدين، و سماه"الغرة"، و لم أر مثله مع كثرة شروح هذا الكتاب) [2] .
و ابن الدهان كان علما من أعلام النحو في عصره، و كان كما قال عنه العماد الأصفهاني: (بحر لا يغضغض، و حبر لا يغمض، سيبويه عصره، و وحيد دهره) [3] .
لهذا وجد ابن الأثير-و هو العازم على الاختصار-أنه يقف أمام موسوعة نحوية مطنبة؛ فكتاب الغرة جمع من الآراء و الشواهد و العلل شيئا هائلا، لو نقله المؤلف في كتابه لوقع في الإطناب الذي لم يرتضه لنفسه، و لو اختصره ربما وقع في الإيجاز المحذور، فجاء كتابه لهذا السبب جامعا لكثير من مسائل النحو و الصرف مفصلا لها، و إنّ من يقرأ كتاب ابن الأثير وحده و لا يطلع على كتاب ابن الدهان سينال كامل إعجابه، و لن يرى فيه الإطناب المملّ، فهو يسوق القضايا النحوية بأسلوب واضح، و يستوفي في كل قضية جوانبها، و لكنه إن اطلع على كتاب"ابن الدهان"و غيره من الكتب المتوسعة