اسم الکتاب : الإتحاف بحب الأشراف المؤلف : الشبراوي، جمال الدين الجزء : 1 صفحة : 351
و شق عليهم و استكرهوه، و خافوا أن الأمر ينتهي معه إلى ما انتهى مع أبيه، فاجتمع الأعيان من العبّاسيين الدّالّين [1] على الخليفة، فدخلوا عليه، و قالوا: ننشدك اللّه يا أمير المؤمنين إلّا ما رجعت عن هذه النّية، و صرفت خاطرك عن هذا الأمر، فإنّا نخاف، و نخشى أن يخرج عنّا أمر ملكنا فينزع عنّا عزّنا الّذي ألبسناه اللّه، و يتحوّل إلى غيرنا، و أنت تعلم ما بيننا و بين هؤلاء القوم، و ما كان عليه الخلفاء من قبلك من أبعادهم، و قد كنّا في وجلة من عملك مع الرّضا ما عملت، حتّى كفانا اللّه المهمّ من ذلك، فاللّه اللّه أن تردّها إلى غمّ قد انحسم، و اصرف رأيك عن ابن الرّضا، و اعدل إلى من تراه من أهل بيتك ممّن يصالح لذلك.
فقال لهم المأمون: أمّا ما بينكم و بين آل أبي طالب فأنتم السّبب فيه، و لو أنصفتم القوم لكانوا أولى بالأمر منكم.
و أمّا ما كان من الاستخلاف في الرّضا فقد درج الرّضا و كان أمر اللّه قدرا مقدورا.
و أمّا ابنه محمّد فأي شيء تنقمون منه، فقالوا: إنّ هذا صبىّ صغير السّنّ و أيّ علم له اليوم، أو معرفة، أو أدب؟ دعه يتفقّه حتّى يكبر، ثم اصنع به ما شئت، قال:
كأنّكم تشكّون في قولي، إن شئتم فاختبروه، أو ادعو من يختبره، ثمّ بعد ذلك لوموا فيه، أو اعذروا، قالوا: و تتركنا و ذلك؟ قال: نعم، قالوا: فيكون ذلك بين يديك تترك من يسأله عن شيء من امور الشّريعة، فإن أصاب لم يكن في أمره لنا اعتراض، و ظهر للخاصّة، و العامّة سديد رأي أمير المؤمنين، و إن عجز عن ذلك كفينا خطبه، و لم يكن لأمير المؤمنين عذر في ذلك، فقال لهم المأمون: شأنكم و ذلك متى أردتم، فخرجوا من عنده.
[1] هو من الدّلال أي الذين لهم عنده مكانة، و بسطة من القول.
اسم الکتاب : الإتحاف بحب الأشراف المؤلف : الشبراوي، جمال الدين الجزء : 1 صفحة : 351