الجزئيّة، توصّليّة كانت أم تعبّدية، هل العقل يحكم- مضافا إلى وجوب العمل على طبقها بالجوارح كقراءة الصلاة و غيرها- الالتزام بهذه الأحكام بالجوانح، أم لا؟
و ينبغي أن يعلم أنّ الالتزام غير العلم و الإرادة؛ بداهة أنّه ربّما يعلم الشخص بشيء بلا أن يكون ملتزما به، بل يلتزم بخلافه كالمشرّع، فإنّه عالم بأنّ حكم اللّه في مسألة المتعة مثلا هو الحلّيّة، مع ذلك يلتزم بالخلاف و يبني عليه، و كذلك ربّما يريد الإنسان شيئا و لا يبني عليه و لا يلتزم به أصلا كالعبيد الّذين يشتغلون بامتثال أوامر الموالي مع شدّة كراهتهم عنها و إنكارها، و أعظم الدليل على التغاير الانفكاك، فتنبّه! حتّى لا يشتبه عليك الأمر.
إذا تبيّن ذلك فنقول: أمّا في التوصّليات، فلا حكم للعقل فيها إلّا بوجوب الموافقة العمليّة؛ ضرورة أنّه ليس الغرض منها إلّا حصولها في الخارج، و لا دخل للالتزام المذكور و البناء في حصول الغرض.
نعم؛ قد يتوهّم وجوب الالتزام و البناء من باب وجوب شكر المنعم، فإنّ العقل يحكم بأن تحبّ أنت ما يحبّ المنعم [لك] و تعقد بقلبك ما هو ألزم عليك، و إلّا فيلزم كفران نعمه و إن كان لا يقتضي ذلك شكر كلّ منعم بالنعم الظاهرة، بل غاية ما يقتضيه هو القيام بحقوقه و التعبّد بالعمل بما يأمره، و لكن شكر مثل هذا المنعم الحقيقي الّذي يرجع وجود كلّ الخيرات إليه و هو مبدأ جميعها يقتضي ذلك، و هو يلزم الإنسان أن يكون بين يديه كالميّت بين يدي الغسّال تسليما لأمره بقلبه و لسانه و جميع وجوده بجميع حيثيّاته.
و أنت خبير بأنّ كلّ ذلك دعوى بلا دليل، و خرص و إسناد بالعقل من غير