فيه نظير باب التبادر لإثباته المعنى اللغوي و الدور الّذي توهّم فيه من أنّ تبادر المعنى الحقيقي موقوف على كون المتبادر معنى حقيقيّا، فإذا اريد إثبات كونه المعنى الحقيقي بالتبادر يلزم الدور [1]، كما أجابوا به عن ذلك في مبحث التبادر.
بيان ذلك: أنّ معرفة المعنى الحقيقي بالتبادر موقوفة على معرفة أنّ ما يتبادر إلى الذهن من المعنى عند سماع اللفظ إنّما هو المعنى الحقيقي [2]، فبإثبات المعنى الحقيقي بالتبادر يلزم الدور.
و اجيب عن ذلك في محلّه بأنّ التوقّف الأوّل إجمالي و الثاني تفصيلي؛ ضرورة أنّ العلم بالمعنى الحقيقي ليس متوقّفا على معرفة المعنى تفصيلا، أي حتّى بمعرفة هذا اللفظ الّذي يراد إثبات معناه به، بل فقط يتوقّف على معرفة المعنى الحقيقي على نحو الإجمال و الكليّة، و هو العلم الارتكازي الفطري بأنّ المتبادر
[2] لأنّ إثبات ذلك إمّا أن يراد بسبب التبادر عند المستعلم أو غيره من أهل الاصطلاح فالأوّل، هو ما أشرنا إليه من أنّه يتوقّف على كون المستعلم عالما بالمعنى الحقيقي حتّى يتبادر هو إلى ذهنه فيثبت به أنّه هو المعنى الحقيقي، و إلّا فلو لم يكن عالما به لم يتبادر إليه شيء أصلا.
و جواب ذلك هو أنّ التبادر عند المستعلم و إن كان يتوقّف على معرفة المعنى الحقيقي إلّا أنّه ليس موقوفا على المعرفة تفصيلا مثل من كان سابق الزمان عارفا بلغة قوم ثم نسي ذلك، و لكنّه لمّا كان مأنوسا به فلم يمح ذلك عن صفحة ذهنه رأسا، و لذلك إذا خلط معهم ثانيا و سمع لغاتهم و كرّر ذلك فيسبق إلى ذهنه ما هو مركوز في خزانة ذهنه و حافظته على نحو الإجمال من المعاني فيميّز بذلك بين المعنى الحقيقي و المجازي،
فتبيّن من ذلك أنّ الموقوف غير الوقوف عليه، فلا دور، و إن كان المراد من التبادر التبادر عند أهل اللسان مثل أنّهم إذا سمعوا لفظا مجرّدا عن القرينة لسبق إلى ذهنهم الشيء الفلاني، فعدم لزوم الدور واضح، «منه (رحمه اللّه)».