مضافا إلى أنّه يمكن الدعوى بأنّ العقاب عند المصادفة لا يكون إلّا للمخالفة لمثل هذا المولى الّذي يكون موافقته و امتثاله نهاية الكمال للنفس و القرب إلى حضرته الّذي يوجب استحقاق جميع الخيرات، و مخالفته توجب البعد عن حضرته و الحرمان عن جميع الفيوضات، مضافا إلى إيجابه توجّه الشرور إليه و بقاء النفس في حضيض الذلّ و المسكنة، فيستحقّ العقاب بذلك و السقوط من أعلى علّيّين إلى أسفل السافلين.
و احتمال اختصاص كون موجب ذلك كلّه هو تفويت المصلحة، أو إيجاد المفسدة الّتي لا يتحقّق إلّا عند المصادفة، الّذي يرجع إلى إنكار استحقاق الذم و القبح و العقاب بمثل مخالفة هذا المولى و هتك حرمته، الّذي هو تعالى مركز الخيرات، و مبدأ الموجودات، و مربّي الكائنات جلّ شأنه، مخالف للوجدان، بل ضرورة الأديان.
و بالجملة؛ من أمعن النظر و أعطى حقّه، يرى بأنّ نفس المخالفة و هتك الحرمة و إبراز الجرأة على المولى الحقيقي و الإتيان بما هو بصورة العصيان عمل قبيح، و ارتكاب لما يستحقّ العقاب.
و نزيدك توضيحا أنّ من كان بصدد العصيان و المخالفة أنّه بمحض صدور الفعل عنه يعدّ عاصيا و مخالفا و لو لم يقع الفعل في الخارج.
مثاله: إنّ الرامي إذا رمى السهم إلى من ليس مستحقّا للقتل، و كذلك الضارب إذا يرفع يده للضرب عدوانا، يعدّ كلّ منهما عاصيا و هاتكا، و لمّا يقع الفعل في الخارج و ما وصل السهم إلى الغرض، و لا ينتظرون وقوع الفعل في الخارج، بل من أوّل الإقدام يرونه مستحقّا للذمّ.