و ما أشبه هذا الاستصحاب باستصحاب جواز أكل الميتة الثابت عند الضرورة بعد وجدان لحم الحمير المذكّى.
و ثالثا: سلّمنا، لكنّه لا يثبت إلّا حكم صورة واحدة لا إجماع مركّب في البين.
قال: الدليل الرابع: إنّا نفرض الكلام فيما دار أمره بين تقليد المتجزّي الأعلم و المطلق الغير الأعلم؛ فإنّ تقليد الأعلم قدر متيقّن، لذهاب بعضهم إلى وجوب تقليد الأعلم، و إن نزلنا فلا أقلّ من تساوي الأعلميّة مع الإطلاق، فيثبت التخيير، فيثبت جواز تقليد المتجزّي.
أقول أوّلا: إنّ ذهاب الأكثر إلى وجوب تقليد الأعلم إنّما هو إذا كان مطلقا، و دار الأمر بين تقليده و تقليد المطلق الغير الأعلم، فالقدر المتيقّن هو تقليد الأعلم المطلق لا مطلقا، ففيما نحن فيه الإطلاق مرجّح لتقليد المطلق.
و ثانيا: سلّمنا، لكنّه لا يثبت قاعدة كلّيّة كما هو المأمول في تمهيد قواعد الأصول.
و بعد ما قرع سمعك من هذه الأقاويل، فاعلم أنّ الحقّ عندي: عدم جواز تقليد المتجزّي ما لم تمسّ الحاجة إليه، كما لو فرضنا في أوّل زمان الغيبة انحصار العالم بمتجزّ، فنقول: التكليف ثابت و التكليف بالعلم و كذا التكليف بالاحتياط و الاجتهاد باطل، فينحصر أمر العامي إلى تقليد هذا الرجل.
و الدليل على ذلك: أنّ العمومات الكتابيّة دلّت على حرمة التقليد، خرج من هذا الأصل تقليد المطلق بالإجماع، و بقي الباقي تحته إلّا إذا انجرّت الضرورة، كما في المثال المفروض إلى تقليد المتجزّي، فإنّ البرهان القطعي حينئذ أيضا يخصّص الأصل، و في صورة دوران الأمر بين المتجزّي و المطلق معاضد بقاعدة الاشتغال بالنسبة إلى المتجزّي.
فإن قلت: ما تصنع في صورة دوران الأمر بين تقليد المتجزّي الحيّ و المطلق الميّت.