هَذَا أَوَانُ صَلَاةِ الظُّهْرِ فَانْصَرِفِي * وَأَحْضِرِي الْخَصْمَ فِي الْيَوْمِ الَّذِي أَعِدُ الْمَجْلِسُ السَّبْتُ إنْ يُقْضَ الْجُلُوسُ لَنَا * أُنْصِفْكِ مِنْهُ وَإِلَّا الْمَجْلِسُ الْأَحَدُ فَانْصَرَفَتْ وَحَضَرَتْ يَوْمَ الْأَحَدِ فِي أَوَّلِ النَّاسِ ، فَقَالَ لَهَا الْمَأْمُونُ مَنْ خَصْمُكِ ؟ فَقَالَتْ الْقَائِمُ عَلَى رَأْسِكَ الْعَبَّاسُ بْنُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ، فَقَالَ الْمَأْمُونُ لِقَاضِيهِ يَحْيَى بْنِ أَكْثَمَ وَقِيلَ لِوَزِيرِهِ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ أَجْلِسْهَا مَعَهُ وَانْظُرْ بَيْنَهُمَا ، فَأَجْلَسَهَا مَعَهُ وَنَظَرَ بَيْنَهُمَا بِحَضْرَةِ الْمَأْمُونِ وَجَعَلَ كَلَامُهَا يَعْلُو ، فَزَجَرَهَا بَعْضُ حُجَّابِهِ ، فَقَالَ لَهُ الْمَأْمُونُ دَعْهَا فَإِنَّ الْحَقَّ أَنْطَقَهَا وَالْبَاطِلَ أَخْرَسَهُ ، وَأَمَرَ بِرَدِّ ضِيَاعِهَا عَلَيْهَا .فَفَعَلَ الْمَأْمُونُ فِي النَّظَرِ بَيْنَهُمَا حَيْثُ كَانَ بِمَشْهَدِهِ ، وَلَمْ يُبَاشِرْهُ بِنَفْسِهِ لِمَا اقْتَضَتْهُ السِّيَاسَةُ مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ حُكْمَهُ رُبَّمَا تَوَجَّهَ لِوَلَدِهِ وَرُبَّمَا كَانَ عَلَيْهِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَحْكُمَ لِوَلَدِهِ وَإِنْ جَازَ أَنْ يَحْكُمَ عَلَيْهِ .وَالثَّانِي : أَنَّ الْخَصْمَ امْرَأَةٌ يَجِلُّ الْمَأْمُونُ عَنْ مُحَاوَرَتِهَا وَابْنُهُ مِنْ جَلَالَةِ الْقَدْرِ بِالْمَكَانِ الَّذِي لَا يَقْدِرُ غَيْرُهُ عَلَى إلْزَامِهِ الْحَقَّ فَرَدَّ النَّظَرَ بِمَشْهَدٍ مِنْهُ إلَى مَنْ كَفَاهُ مُحَاوَرَةَ الْمَرْأَةِ فِي اسْتِيفَاءِ الدَّعْوَى وَاسْتِيضَاحِ الْحُجَّةِ ، وَبَاشَرَ الْمَأْمُونُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تَنْفِيذَ الْحُكْمِ وَإِلْزَامَ الْحَقِّ .وَالْحَالَةُ الثَّانِيَةُ فِي قُوَّةِ الدَّعْوَى أَنْ يَقْتَرِنَ بِهَا كِتَابٌ فِيهِ مِنْ الشُّهُودِ الْمُعَدَّلِينَ مَنْ هُوَ غَائِبٌ ، فَاَلَّذِي يَخْتَصُّ بِنَظَرِ الْمَظَالِمِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الدَّعْوَى أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ : أَحَدُهَا إرْهَابُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَرُبَّمَا تُعَجِّلُ مِنْ إقْرَارِهِ بِقُوَّةِ الْهَيْبَةِ مَا يُغْنِي عَنْ سَمَاعِ الْبَيِّنَةِ .وَالثَّانِي : التَّقَدُّمُ بِإِحْضَارِ الشُّهُودِ إذَا عَرَفَ مَكَانَهُمْ وَلَمْ يُدْخِلْ الضَّرَرَ الشَّاقَّ عَلَيْهِمْ .وَالثَّالِثُ : الْأَمْرُ بِمُلَازَمَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ثَلَاثًا وَيُجْهِدُ رَأْيَهُ فِي الزِّيَادَةِ عَلَيْهَا بِحَسَبِ الْحَالِ مِنْ قُوَّةِ الْإِمَارَةِ وَدَلَائِلِ الصِّحَّةِ .وَالرَّابِعُ : أَنْ يَنْظُرَ فِي الدَّعْوَى ، فَإِنْ كَانَتْ مَالًا فِي الذِّمَّةِ كَلَّفَهُ إقَامَةَ كَفِيلٍ ، وَإِنْ كَانَتْ عَيْنًا قَائِمًا كَالْعَقَارِ حَجَرَ عَلَيْهَا فِيهَا حَجْرًا لَا يُرْفَعُ بِهِ حُكْمُ يَدِهِ وَرَدَّ اسْتِغْلَالَهَا إلَى أَمِينٍ يَحْفَظُهُ عَلَى مُسْتَحِقِّهِ مِنْهُمَا فَإِنْ تَطَاوَلَتْ الْمُدَّةُ وَوَقَعَ الْإِيَاسُ مِنْ حُضُورِ الشُّهُودِ جَازَ لِوَالِي الْمَظَالِمِ أَنْ يَسْأَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْ دُخُولِ يَدِهِ مَعَ تَجْدِيدِ إرْهَابِهِ ، فَإِنَّ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَرَى فِي مِثْلِ هَذَا الْحَالِ سُؤَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْ سَبَبِ دُخُولِ يَدِهِ وَإِنْ لَمْ يَرَهُ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ ، وَلِلنَّاظِرِ فِي الْمَظَالِمِ اسْتِعْمَالُ الْجَائِزِ وَلَا يَلْزَمُ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْوَاجِبِ ، فَإِنْ أَجَابَ بِمَا يَقْطَعُ التَّنَازُعَ أَمْضَاهُ وَإِلَّا فَصَلَ بَيْنَهُمَا بِمُقْتَضَى الشَّرْعِ .وَالْحَالَةُ الثَّالِثَةُ فِي قُوَّةِ الدَّعْوَى أَنْ يَكُونَ فِي الْكِتَابِ الْمُقْتَرِنِ بِهَا شُهُودٌ حُضُورٌ لَكِنَّهُمْ غَيْرُ مُعَدَّلِينَ عِنْدَ الْحَاكِمِ فَاَلَّذِي يَخْتَصُّ بِنَظَرِ الْمَظَالِمِ أَنْ يَتَقَدَّمَ النَّاظِرُ فِيهَا بِإِحْضَارِهِمْ وَسيْرِ