فِي مُلَازَمَةِ الْخَصْمَيْنِ إذَا وَضَحَتْ أَمَارَاتُ التَّجَاحُدِ وَيَأْذَنَ فِي إلْزَامِ الْكَفَالَةِ فِيمَا يَسُوغُ فِيهِ التَّكَفُّلُ لِيَنْقَادَ الْخُصُومُ إلَى التَّنَاصُفِ وَيَعْدِلُوا عَنْ التَّجَاحُدِ وَالتَّكَاذُبِ .وَالثَّامِنُ : أَنَّهُ يَسْمَعُ مِنْ شَهَادَاتِ الْمَسْتُورِينَ مَا يَخْرُجُ عَنْ عُرْفِ الْقُضَاةِ فِي شَهَادَةِ الْمُعَدَّلِينَ .وَالتَّاسِعُ : أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ إحْلَافُ الشُّهُودِ عِنْدَ ارْتِيَابِهِ بِهِمْ إذَا بَدَّلُوا أَيْمَانَهُمْ طَوْعًا وَيَسْتَكْثِرُ مِنْ عَدَدِهِمْ لِيَزُولَ عَنْهُ الشَّكُّ وَيَنْفِيَ عَنْهُ الِارْتِيَابَ ؛ وَلَيْسَ ذَلِكَ لِلْحَاكِمِ .وَالْعَاشِرُ : أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَبْتَدِئَ بِاسْتِدْعَاءِ الشُّهُودِ وَيَسْأَلَهُمْ عَمَّا عِنْدَهُمْ فِي تَنَازُعِ الْخُصُومِ ، وَعَادَةُ الْقُضَاةِ تَكْلِيفُ الْمُدَّعِي إحْضَارَ بَيِّنَةٍ وَلَا يَسْمَعُونَهَا إلَّا بَعْدَ مَسْأَلَتِهِ ؛ فَهَذِهِ عَشَرَةُ أَوْجُهٍ يَقَعُ بِهَا الْفَرْقُ بَيْنَ نَظَرِ الْمَظَالِمِ وَنَظَرِ الْقَضَاءِ فِي التَّشَاجُرِ وَالتَّنَازُعِ وَهُمَا فِيمَا عَدَاهُمَا مُتَسَاوِيَانِ ، وَسَنُوَضِّحُ مِنْ تَفْصِيلِهِمَا مَا نُبَيِّنُ بِهِ إطْلَاقَ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ هَذِهِ الْفُرُوقِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى . ( فَصْلٌ ) وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَخْلُ حَالُ الدَّعْوَى عِنْدَ التَّرَافُعِ فِيهَا إلَى وَالِي الْمَظَالِمِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ : إمَّا أَنْ يَقْتَرِنَ بِهَا مَا يُقَوِّيهَا أَوْ يَقْتَرِنَ بِهَا مَا يُضْعِفُهَا أَوْ تَخْلُوَ مِنْ الْأَمْرَيْنِ .فَإِنْ اُقْتُرِنَ بِهَا مَا يُقَوِّيهَا .فَلِمَا اُقْتُرِنَ بِهَا مِنْ الْقُوَّةِ سِتَّةُ أَحْوَالٍ تَخْتَلِفُ بِهَا قُوَّةُ الدَّعْوَى عَلَى التَّدْرِيجِ .فَأَوَّلُ أَحْوَالِهَا : أَنْ يَظْهَرَ مَعَهَا كِتَابٌ فِيهِ شُهُودٌ مُعَدَّلُونَ حُضُورٌ ، وَاَلَّذِي يَخْتَصُّ نَظَرَ الْمَظَالِمِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الدَّعْوَى شَيْئَانِ : أَحَدُهُمَا يَبْتَدِئُ النَّاظِرُ فِيهَا بِاسْتِدْعَاءِ الشُّهُودِ لِلشَّهَادَةِ .وَالثَّانِي : الْإِنْكَارُ عَلَى الْجَاحِدِ بِحَسَبِ حَالِهِ وَشَوَاهِدِ أَحْوَالِهِ ، فَإِذَا أُحْضِرَ الشُّهُودُ ، فَإِنْ كَانَ النَّاظِرُ فِي الْمَظَالِمِ مِمَّنْ يُجَلُّ قَدْرُهُ كَالْخَلِيفَةِ أَوْ وَزِيرِ التَّفْوِيضِ أَوْ أَمِيرِ إقْلِيمٍ رَاعَى مِنْ أَحْوَالِ الْمُتَنَازِعِينَ مَا تَقْتَضِيهِ السِّيَاسَةُ مِنْ مُبَاشَرَةِ النَّاظِرِ بَيْنَهُمَا إنْ جَلَّ قَدْرُهُمَا أَوْ رَدَّ ذَلِكَ إلَى قَاضِيهِ بِمَشْهَدٍ مِنْهُ إنْ كَانَا مُتَوَسِّطَيْنِ أَوْ عَلَى بُعْدٍ مِنْهُ إنْ كَانَا خَامِلَيْنِ .حُكِيَ أَنَّ الْمَأْمُونَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يَجْلِسُ لِلْمَظَالِمِ فِي يَوْمِ الْأَحَدِ فَنَهَضَ ذَاتَ يَوْمٍ مِنْ مَجْلِسٍ نَظَرَهُ فَلَقِيَتْهُ امْرَأَةٌ فِي ثِيَابٍ رَثَّةٍ فَقَالَتْ . ( مِنْ الْبَسِيطِ ) :يَا خَيْرَ مُنْتَصِفٍ يُهْدَى لَهُ الرَّشَدُ * وَيَا إمَامًا بِهِ قَدْ أَشْرَقَ الْبَلَدُ تَشْكُو إلَيْكَ عَمِيدَ الْمُلْكِ أَرَمَلَةٌ * عَدَا عَلَيْهَا فَمَا تَقْوَى بِهِ أَسَدُ فَابْتَزَّ مِنْهَا ضِيَاعًا بَعْدَ مَنْعَتِهَا * لَمَّا تَفَرَّقَ عَنْهَا الْأَهْلُ وَالْوَلَدُ فَأَطْرَقَ الْمَأْمُونُ يَسِيرًا ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَقَالَ ( مِنْ الْبَسِيطِ ) :مِنْ دُونِ مَا قُلْتِ عِيلَ الصَّبْرُ وَالْجَلَدُ * وَأَقْرَحَ الْقَلْبَ هَذَا الْحُزْنُ وَالْكَمَدُ