كَتَبَ بَعْضُ وُلَاةِ الْأَجْنَادِ إلَى الْمَأْمُونِ أَنَّ الْجُنْدَ شَعَّبُوا وَنَهَبُوا ، فَكَتَبَ إلَيْهِ لَوْ عَدَلْتَ لَمْ يُشَعِّبُوا ، وَلَوْ وَفَّيْتَ لَمْ يَنْهَبُوا ، وَعَزَلَهُ عَنْهُمْ وَأَدَرَّ عَلَيْهِمْ أَرْزَاقَهُمْ .وَالْقِسْمُ الْخَامِسُ : رَدُّ الْغُصُوبِ ، وَهِيَ ضَرْبَانِ أَحَدُهُمَا غُصُوبٌ سُلْطَانِيَّةٌ قَدْ تَغَلَّبَ عَلَيْهَا وُلَاةُ الْجَوْرِ كَالْأَمْلَاكِ الْمَقْبُوضَةِ عَنْ أَرْبَابِهَا ، إمَّا لِرَغْبَةٍ فِيهَا ، وَإِمَّا لِتَعَدٍّ عَلَى أَهْلِهَا ، فَهَذَا إنْ عَلِمَ بِهِ وَالِي الْمَظَالِمِ عِنْدَ تَصَفُّحِ الْأُمُورِ أَمَرَ بِرَدِّهِ قَبْلَ التَّظَلُّمِ إلَيْهِ ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ فَهُوَ مَوْقُوفٌ عَلَى تَظَلُّمِ أَرْبَابِهِ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ عِنْدَ تَظَلُّمِهِمْ إلَى دِيوَانِ السَّلْطَنَةِ فَإِذَا وَجَدَ فِيهِ ذِكْرَ قَبْضِهَا عَلَى مَالِكِهَا عَمِلَ عَلَيْهِ وَأَمَرَ بِرَدِّهَا إلَيْهِ وَلَمْ يَحْتَجْ إلَى بَيِّنَةٍ تَشْهَدُ بِهِ وَكَانَ مَا وَجَدَهُ فِي الدِّيوَانِ كَافِيًا .كَمَا حُكِيَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَحِمَهُ اللَّهُ خَرَجَ ذَاتَ يَوْمٍ إلَى الصَّلَاةِ فَصَادَفَهُ رَجُلٌ وَرَدَ مِنْ الْيَمَنِ مُتَظَلِّمًا فَقَالَ .( مِنْ الْبَسِيطِ ) : تَدْعُونَ حَيْرَانَ مَظْلُومًا بِبَابِكُمْ فَقَدْ أَتَاكَ بَعِيدُ الدَّارِ مَظْلُومُ فَقَالَ مَا ظُلَامَتُكَ ؟ فَقَالَ غَصَبَنِي الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ضَيْعَتِي ، فَقَالَ يَا مُرَاجِمُ ائْتِنِي بِدَفْتَرِ الصَّوَافِي فَوَجَدَ فِيهِ أَصْفَى عَبْدُ اللَّهِ الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ضَيْعَةَ فُلَانٍ ، فَقَالَ أَخْرِجْهَا مِنْ الدَّفْتَرِ وَلْيَكْتُبْ بِرَدِّ ضَيْعَتِهِ إلَيْهِ وَيُطْلِقْ لَهُ ضِعْفَ نَفَقَتِهِ .وَالضَّرْبُ الثَّانِي : مِنْ الْغُصُوبِ مَا تَغَلَّبَ عَلَيْهَا ذَوُو الْأَيْدِي الْقَوِيَّةِ وَتَصَرَّفُوا فِيهِ تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ بِالْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ ، فَهَذَا مَوْقُوفٌ عَلَى تَظَلُّمِ أَرْبَابِهِ وَلَا يُنْتَزَعُ مِنْ يَدِ غَاصِبِهِ إلَّا بِأَحَدِ أَرْبَعَةِ أُمُورٍ ، إمَّا بِاعْتِرَافِ الْغَاصِبِ وَإِقْرَارِهِ ، إمَّا بِعِلْمِ وَالِي الْمَظَالِمِ فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ عَلَيْهِ لِعِلْمِهِ ، وَإِمَّا بِبَيِّنَةٍ تَشْهَدُ عَلَى الْغَاصِبِ بِغَصْبِهِ أَوْ تَشْهَدُ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ بِمِلْكِهِ ، وَإِمَّا بِتَظَاهُرِ الْأَخْبَارِ الَّذِي يَنْفِي عَنْهَا التَّوَاطُؤَ ، وَلَا يَخْتَلِجُ فِيهَا الشُّكُوكُ لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ لِلشُّهُودِ أَنْ يَشْهَدُوا فِي الْأَمْلَاكِ بِتَظَاهُرِ الْأَخْبَارِ كَانَ حُكْمُ وُلَاةِ الْمَظَالِمِ بِذَلِكَ أَحَقَّ .وَالْقِسْمُ السَّادِسُ : مُشَارَفَةُ الْوُقُوفِ وَهِيَ ضَرْبَانِ : عَامَّةٌ وَخَاصَّةٌ ، فَأَمَّا الْعَامَّةُ فَيَبْدَأُ بِتَصَفُّحِهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا مُتَظَلِّمٌ لِيُجْرِيَهَا عَلَى سَبِيلِهَا وَيُمْضِيَهَا عَلَى شُرُوطِ وَاقِفِهَا إذَا عَرَفَهَا مِنْ أَحَدِ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ : إمَّا مِنْ دَوَاوِينِ الْحُكَّامِ الْمَنْدُوبِينَ لِحِرَاسَةِ الْأَحْكَامِ ، وَإِمَّا مِنْ دَوَاوِينِ السَّلْطَنَةِ عَلَى مَا جَرَى فِيهَا مِنْ مُعَامَلَةٍ أَوْ ثَبَتَ لَهَا مِنْ ذِكْرٍ وَتَسْمِيَةٍ ، وَإِمَّا مِنْ كُتُبٍ فِيهَا قَدِيمَةٍ تَقَعُ فِي النَّفْسِ صِحَّتُهَا وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ الشُّهُودُ بِهَا لِأَنَّهُ لَيْسَ يَتَعَيَّنُ الْخَصْمُ فِيهَا فَكَانَ الْحُكْمُ أَوْسَعَ مِنْهُ فِي الْوُقُوفِ الْخَاصَّةِ .وَأَمَّا الْوُقُوفُ الْخَاصَّةُ فَإِنَّ نَظَرَهُ فِيهَا مَوْقُوفٌ عَلَى تَظَلُّمِ أَهْلِهَا عِنْدَ التَّنَازُعِ فِيهَا لِوَقْفِهَا