وَالدَّنَانِيرُ مَضْرُوبَةً عَلَى وَزْنِ كِسْرَى وَقَيْصَرَ ، وَكَانَ أَهْلُ الْبُلْدَانِ يُؤَدُّونَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ مِنْ الْمَالِ عَدَدًا وَلَا يَنْظُرُونَ فِي فَضْلِ بَعْضِ الْأَوْزَانِ عَلَى بَعْضٍ ، ثُمَّ فَسَدَ النَّاسُ فَصَارَ أَرْبَابُ الْخَرَاجِ يُؤَدُّونَ الطَّبَرِيَّةَ الَّتِي هِيَ أَرْبَعَةُ دَوَانِقَ وَتَمَسَّكُوا بِالْوَافِي الَّذِي وَزْنُهُ وَزْنُ الْمِثْقَالِ ، فَلَمَّا وَلِيَ زِيَادٌ الْعِرَاقَ طَالَبَ بِأَدَاءِ الْوَافِي وَأَلْزَمَهُمْ الْكُسُورَ وَجَارَ فِيهِ عُمَّالُ بَنِي أُمَيَّةَ ، إلَى أَنْ وَلِيَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ ، فَنَظَرَ بَيْنَ الْوَزْنَيْنِ وَقَدَّرَ وَزْنَ الدَّرَاهِمِ عَلَى نِصْفِ وَخُمُسِ الْمِثْقَالِ وَتَرَكَ الْمِثْقَالَ عَلَى حَالِهِ ، ثُمَّ إنَّ الْحَجَّاجَ مِنْ بَعْدِهِ أَعَادَ الْمُطَالَبَةَ بِالْكُسُورِ حَتَّى أَسْقَطَهَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَأَعَادَهَا مِنْ بَعْدِهِ إلَى أَيَّامِ الْمَنْصُورِ إلَى أَنْ خَرِبَ السَّوَادُ فَأَزَالَ الْمَنْصُورُ الْخَرَاجَ عَنْ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَرِقًا وَصَيَّرَهُ مُقَاسَمَةً وَهُمَا أَكْثَرُ غَلَّاتِ السَّوَادِ وَأَبْقَى الْيَسِيرَ مِنْ الْحُبُوبِ وَالنَّخْلِ وَالشَّجَرِ عَلَى رَسْمِ الْخَرَاجِ وَهُوَ كَمَا يُلْزَمُونَ الْآنَ الْكُسُورَ وَالْمُؤَنَ : فَقَالَ الْمُهْتَدِي مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ أُلْزِمَ النَّاسَ ظُلْمًا تَقَدَّمَ الْعَمَلُ بِهِ أَوْ تَأَخَّرَ ، أَسْقِطُوهُ عَنْ النَّاسِ ، فَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ مَخْلَدٍ إنْ أَسْقَطَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ هَذَا ذَهَبَ مِنْ أَمْوَالِ السُّلْطَانِ فِي السَّنَةِ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ أَلْفِ دِرْهَمٍ ، فَقَالَ الْمُهْتَدِي عَلَيَّ أَنْ أُقَرِّرَ حَقًّا وَأُزِيلَ ظُلْمًا وَإِنْ أَجْحَفَ بَيْتُ الْمَالِ .وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ : كُتَّابُ الدَّوَاوِينِ لِأَنَّهُمْ أُمَنَاءُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى ثُبُوتِ أَمْوَالِهِمْ فِيمَا يَسْتَوْفُونَهُ لَهُ وَيُوفُونَهُ مِنْهُ أَعَادَهُ ؛ فَيَتَصَفَّحُ أَحْوَالَ مَا وُكِلَ إلَيْهِمْ ، فَإِنْ عَدَلُوا بِحَقِّ مَنْ دَخَلَ أَوْ خَرَجَ إلَى زِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ إلَى قَوَانِينِهِ وَقَابَلَ عَلَى تَجَاوُزِهِ .( حُكِيَ ) أَنَّ الْمَنْصُورَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَلَغَهُ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ كُتَّابِ دَوَاوِينِهِ زَوَّرُوا فِيهِ وَغَيَّرُوا فَأَمَرَ بِإِحْضَارِهِمْ وَتَقَدَّمَ تَأْدِيبُهُمْ ، فَقَالَ حَدَثَ مِنْهُمْ وَهُوَ يَضْرِبُ . ( مِنْ الْوَافِرِ ) :أَطَالَ اللَّهُ عُمُرَكَ فِي صَلَاحٍ * وَعِزٍّ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَا بِعَفْوِكَ نَسْتَجِيرُ فَإِنْ تُجِرْنَا * فَإِنَّكَ عِصْمَةٌ لِلْعَالَمِينَا وَنَحْنُ الْكَاتِبُونَ وَقَدْ أَسَأْنَا * فَهَبْنَا لِلْكِرَامِ الْكَاتِبِينَا فَأَمَرَ بِتَخْلِيَتِهِمْ وَوَصَلَ الْفَتَى وَأَحْسَنَ إلَيْهِ لِأَنَّهُ ظَهَرَتْ مِنْهُ الْأَمَانَةُ وَبَانَتْ فِيهِ النَّجَابَةُ ؛ وَهَذِهِ الْأَقْسَامُ الثَّلَاثَةُ لَا يَحْتَاجُ وَالِي الْمَظَالِمِ تَصَفُّحَهَا إلَى مُتَظَلِّمٍ .وَالْقِسْمُ الرَّابِعُ : تَظَلُّمُ الْمُسْتَرْزِقَةِ مِنْ نَقْصِ أَرْزَاقِهِمْ أَوْ تَأَخُّرِهَا عَنْهُمْ وَإِجْحَافِ النَّظَرِ بِهِمْ فَيَرْجِعُ إلَى دِيوَانِهِ فِي فَرْضِ الْعَطَاءِ الْعَادِلِ فَيُجْرِيهِمْ عَلَيْهِ وَيَنْظُرُ فِيمَا نَقَصُوهُ أَوْ مَنَعُوهُ مِنْ قَبْلُ ، فَإِنْ أَخَذَهُ وُلَاةُ أُمُورِهِمْ اسْتَرْجَعَهُ مِنْهُمْ ، وَإِنْ لَمْ يَأْخُذُوهُ قَضَاهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ .