وَكَانَ حُكْمُ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِمْ أَنْفَذَ .وَالشَّرْطُ الْخَامِسُ : الْعَدَالَةُ وَهِيَ مُعْتَبَرَةٌ فِي كُلِّ وِلَايَةٍ وَالْعَدَالَةُ : أَنْ يَكُونَ صَادِقَ اللَّهْجَةِ ظَاهِرَ الْأَمَانَةِ ، عَفِيفًا عَنْ الْمَحَارِمِ مُتَوَقِّيًا الْمَآثِمَ ، بَعِيدًا مِنْ الرَّيْبِ ، مَأْمُونًا فِي الرِّضَا وَالْغَضَبِ ، مُسْتَعْمِلًا لِمُرُوءَةِ مِثْلِهِ فِي دِينِهِ وَدُنْيَاهُ ، فَإِذَا تَكَامَلَتْ فِيهِ فَهِيَ الْعَدَالَةُ الَّتِي تَجُوزُ بِهَا شَهَادَتُهُ وَتَصِحُّ مَعَهَا وِلَايَتُهُ ، وَإِنْ انْخَرَمَ مِنْهَا وَصْفٌ مُنِعَ مِنْ الشَّهَادَةِ وَالْوِلَايَةِ فَلَمْ يُسْمَعْ لَهُ قَوْلٌ وَلَمْ يَنْفُذْ لَهُ حُكْمٌ .وَالشَّرْطُ السَّادِسُ : السَّلَامَةُ فِي السَّمْعِ وَالْبَصَرِ لِيَصِحَّ بِهِمَا إثْبَاتُ الْحُقُوقِ وَيُفَرِّقَ بَيْنَ الطَّالِبِ وَالْمَطْلُوبِ ، وَيُمَيِّزَ الْمُقِرِّ مِنْ الْمُنْكِرِ لِيَتَمَيَّزَ لَهُ الْحَقُّ مِنْ الْبَاطِلِ ، وَيَعْرِفَ الْمُحِقَّ مِنْ الْمُبْطِلِ ، فَإِنْ كَانَ ضَرِيرًا كَانَتْ وِلَايَتُهُ بَاطِلَةً ، وَجَوَّزَهَا مَالِكٌ كَمَا جَوَّزَ شَهَادَتَهُ ، وَإِنْ كَانَ أَصَمَّ فَعَلَى الِاخْتِلَافِ الْمَذْكُورِ فِي الْأَمَانَةِ ؛ فَأَمَّا سَلَامَةُ الْأَعْضَاءِ فَغَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ فِيهِ وَإِنْ كَانَتْ مُعْتَبَرَةً فِي الْإِمَامَةِ ، فَيَجُوزُ أَنْ يَقْضِيَ وَإِنْ كَانَ مُقْعَدًا ذَا زَمَانَةٍ وَإِنْ كَانَتْ السَّلَامَةُ مِنْ الْآفَاتِ أَهْيَبَ لِذَوِي الْوِلَايَةِ .وَالشَّرْطُ السَّابِعُ : أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ وَعِلْمُهُ بِهَا يَشْتَمِلُ عَلَى عِلْمِ أُصُولِهَا وَالِارْتِيَاضِ بِفُرُوعِهَا .وَأُصُولُ الْأَحْكَامِ فِي الشَّرْعِ أَرْبَعَةٌ : أَحَدُهَا عِلْمُهُ بِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي تَصِحُّ بِهِ مَعْرِفَةُ مَا تَضَمَّنَهُ مِنْ الْأَحْكَامِ نَاسِخًا وَمَنْسُوخًا وَمُحْكَمًا وَمُتَشَابِهًا وَعُمُومًا وَخُصُوصًا وَمُجْمَلًا وَمُفَسَّرًا .وَالثَّانِي : عِلْمُهُ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الثَّابِتَةِ مِنْ أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ وَطُرُقِ مَجِيئِهَا فِي التَّوَاتُرِ وَالْآحَادِ وَالصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ .وَمَا كَانَ عَنْ سَبَبٍ أَوْ إطْلَاقٍ .وَالثَّالِثُ عِلْمُهُ بِتَأْوِيلِ السَّلَفِ فِيمَا اجْتَمَعُوا عَلَيْهِ وَاخْتَلَفُوا فِيهِ لِيَتْبَعَ الْإِجْمَاعَ وَيَجْتَهِدَ بِرَأْيِهِ فِي الِاخْتِلَافِ .وَالرَّابِعُ : عِلْمُهُ بِالْقِيَاسِ الْمُوجِبِ لِرَدِّ الْفُرُوعِ الْمَسْكُوتِ عَنْهَا إلَى الْأُصُولِ الْمَنْطُوقِ بِهَا وَالْمُجْمَعِ عَلَيْهَا حَتَّى يَجِدَ طَرِيقًا إلَى الْعِلْمِ بِأَحْكَامِ النَّوَازِلِ وَتَمْيِيزِ الْحَقِّ مِنْ الْبَاطِلِ ، فَإِذَا أَحَاطَ عِلْمُهُ بِهَذِهِ الْأُصُولِ الْأَرْبَعَةِ فِي أَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ صَارَ بِهَا مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ فِي الدِّينِ ، وَجَازَ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ وَيَقْضِيَ ، وَجَازَ لَهُ أَيْ يَسْتَفْتِيَ وَيَسْتَقْضِيَ ، وَإِنْ أَخَلَّ بِهَا أَوْ بِشَيْءٍ مِنْهَا خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُفْتِيَ وَلَا أَنْ يَقْضِيَ .فَإِنْ قُلِّدَ الْقَضَاءَ فَحَكَمَ بِالصَّوَابِ أَوْ الْخَطَأِ كَانَ تَقْلِيدُهُ بَاطِلًا وَحُكْمُهُ وَإِنْ وَافَقَ الْحَقَّ وَالصَّوَابَ مَرْدُودًا ، وَتَوَجَّهَ الْحَرَجُ فِيمَا قُضِيَ بِهِ عَلَيْهِ وَعَلَى مَنْ قَلَّدَهُ الْحُكْمَ وَالْقَضَاءَ .وَجَوَّزَ أَبُو حَنِيفَةَ تَقْلِيدَ الْقَضَاءِ مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ لِيَسْتَفْتِيَ فِي أَحْكَامِهِ وَقَضَايَاهُ ، وَاَلَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ أَنَّ وِلَايَتَهُ بَاطِلَةٌ وَأَحْكَامَهُ مَرْدُودَةٌ ، وَلِأَنَّ التَّقْلِيدَ فِي فُرُوعِ الشَّرْعِ ضَرُورَةٌ فَلَمْ يَتَحَقَّقْ إلَّا فِي مُلْتَزِمِ الْحَقِّ دُونَ مُلْزِمِهِ .قَدْ * ( اخْتَبَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعَاذًا حِينَ بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ وَالِيًا وَقَالَ