يَعْنِي اُدْعُ إلَى دَيْنِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ ، وَفِيهَا تَأْوِيلَانِ : أَحَدُهُمَا : بِالنُّبُوَّةِ .وَالثَّانِي : بِالْقُرْآنِ .قَالَ الْكَلْبِيُّ : وَفِي الْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ تَأْوِيلَانِ : أَحَدُهُمَا الْقُرْآنُ فِي لِينٍ مِنْ الْقَوْلِ قَالَهُ الْكَلْبِيُّ ، وَالثَّانِي مَا فِيهِ مِنْ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ .* ( وَجَادِلْهُمْ بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) * أَيْ يُبَيِّنُ لَهُمْ الْحَقَّ وَيُوَضِّحُ لَهُمْ الْحُجَّةَ ، فَإِنْ بَدَأَ بِقِتَالِهِمْ قَبْلَ دُعَائِهِمْ إلَى الْإِسْلَامِ وَإِنْذَارِهِمْ بِالْحُجَّةِ وَقَتْلِهِمْ غُرَّةً وَبَيَاتًا ضَمِنَ دِيَاتِ نُفُوسِهِمْ وَكَانَتْ عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ كَدِيَاتِ الْمُسْلِمِينَ ، وَقِيلَ بَلْ كَدِيَاتِ الْكُفَّارِ عَلَى اخْتِلَافِهَا اخْتِلَافِ مُعْتَقِدِهِمْ .وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : لَا دِيَةَ عَلَى قَتْلِهِمْ وَنُفُوسُهُمْ هَدَرٌ ، وَإِذَا تَقَاتَلَتْ الصُّفُوفُ فِي الْحَرْبِ جَازَ لِمَنْ قَاتَلَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُعَلِّمَهُمْ بِمَا يَشْتَهِرُ بِهِ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ وَيَتَمَيَّزُ بِهِ مِنْ جَمِيعِ الْجَيْشِ بِأَنْ يَرْكَبَ الْأَبْلَقَ وَإِنْ كَانَتْ خُيُولُ النَّاسِ دُهْمًا وَشُقْرًا ، وَمَنَعَ أَبُو حَنِيفَةَ مِنْ الْإِعْلَامِ رُكُوبَ الْأَبْلَقِ وَلَيْسَ لِمَنْعِهِ مِنْ ذَلِكَ وَجْهٌ ، رَوَى عَبْدُ بْنُ عَوْنِ اللَّهِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمَ بَدْرٍ : * ( تَسَوَّمُوا فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ قَدْ تَسَوَّمَتْ ) * .وَيَجُوزُ أَنْ يُجِيبَ إلَى الْبِرَازِ إذَا دُعِيَ إلَيْهِ .فَقَدْ * ( دَعَا أُبَيّ بْنُ خَلَفٍ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْبِرَازِ يَوْمَ أُحُدٍ فَبَرَزَ إلَيْهِ فَقَتَلَهُ ) * ، وَأَوَّلُ حَرْبٍ شَهِدَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بَدْرٍ ، بَرَزَ فِيهَا مِنْ شُرَفَاءِ قُرَيْشٍ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ وَابْنُهُ الْوَلِيدُ وَأَخُوهُ شَيْبَةُ وَدَعَوْا إلَى الْبِرَازِ ، فَبَرَزَ إلَيْهِمْ مِنْ الْأَنْصَارِ عَوْفٌ وَمَسْعُودٌ ابْنَا عَفْرَاءَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَقَالُوا لِيَبْرُزَ أَكْفَاؤُنَا إلَيْنَا فَمَا نَعْرِفُكُمْ ، فَبَرَزَ إلَيْهِمْ ثَلَاثَةٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ ، بَرَزَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ إلَى الْوَلِيدِ فَقَتَلَهُ ، وَبَرَزَ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ إلَى عُتْبَةَ فَقَتَلَهُ وَبَرَزَ عُبَيْدَةُ بْنُ الْحَارِثِ إلَى شَيْبَةَ فَاخْتَلَفَا بِضَرْبَتَيْنِ أَثْبَتَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ وَمَاتَ شَيْبَةُ لِوَقْتِهِ وَاحْتُمِلَ عُبَيْدَةُ حَيًّا قَدْ قُدَّتْ رِجْلُهُ فَمَاتَ بِالصَّفْرَاءِ فَقَالَ فِيهِ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ مِنْ الْمُتَقَارِبِ :أَيَا عَيْنُ جُودِي وَلَا تَبْخَلِي * بِدَمْعِكَ وَكْفًا وَلَا تَنْزُرِي عَلَى سَيِّدٍ هَدَّنَا هُلْكُهُ * كَرِيمِ الْمَشَاهِدِ وَالْعُنْصُرِيّ عُبَيْدَةُ أَمْسَى وَلَا نَرْتَجِي * هِ لِعُرْفٍ غَدَا وَلَا مُنْكَرِ وَقَدْ كَانَ يَحْمِي عُدَاةَ الْقِتَا * لِ حَامِيَةُ الْجَيْشِ بِالْمُبْتِرِ