الباب الثالث : في تقليد الإمارة على البلاد وَإِذَا قَلَّدَ الْخَلِيفَةُ أَمِيرًا عَلَى إقْلِيمٍ أَوْ بَلَدٍ كَانَتْ إمَارَتُهُ عَلَى ضَرْبَيْنِ : عَامَّةٌ وَخَاصَّةٌ : فَأَمَّا الْعَامَّةُ فَعَلَى ضَرْبَيْنِ : إمَارَةُ اسْتِكْفَاءٍ بِعَقْدٍ عَنْ اخْتِيَارٍ وَإِمَارَةُ اسْتِيلَاءٍ بِعَقْدٍ عَنْ اضْطِرَارٍ .فَإِمَارَةُ الِاسْتِكْفَاءِ الَّتِي تَنْعَقِدُ عَنْ اخْتِيَارِهِ فَتَشْتَمِلُ عَلَى عَمَلٍ مَحْدُودٍ وَنَظَرٍ مَعْهُودٍ ، وَالتَّقْلِيدُ فِيهَا أَنْ يُفَوِّضَ إلَيْهِ الْخَلِيفَةُ إمَارَةَ بَلَدٍ أَوْ إقْلِيمٍ وِلَايَةً عَلَى جَمِيعِ أَهْلِهِ وَنَظَرًا فِي الْمَعْهُودِ مِنْ سَائِرِ أَعْمَالِهِ فَيَصِيرُ عَامَّ النَّظَرِ فِيمَا كَانَ مَحْدُودًا مِنْ عَمَلٍ وَمَعْهُودًا مِنْ نَظَرٍ فَيَشْتَمِلُ نَظَرُهُ فِيهِ عَلَى سَبْعَةِ أُمُورٍ : أَحَدُهَا النَّظَرُ فِي تَدْبِيرِ الْجُيُوشِ وَتَرْتِيبِهِمْ فِي النَّوَاحِي وَتَقْدِيرِ أَرْزَاقِهِمْ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْخَلِيفَةُ قَدَّرَهَا فَيَذَرُهَا عَلَيْهِمْ .وَالثَّانِي النَّظَرُ فِي الْأَحْكَامِ وَتَقْلِيدِ الْقُضَاةِ وَالْحُكَّامِ .وَالثَّالِثُ : جِبَايَةُ الْخَرَاجِ وَقَبْضُ الصَّدَقَاتِ وَتَقْلِيدُ الْعُمَّالِ فِيهِمَا وَتَفْرِيقُ مَا اُسْتُحِقَّ مِنْهَا .وَالرَّابِعُ : حِمَايَةُ الدِّينِ وَالذَّبُّ عَنْ الْحَرِيمِ وَمُرَاعَاةُ الدِّينِ مِنْ تَغْيِيرٍ أَوْ تَبْدِيلٍ .وَالْخَامِسُ : إقَامَةُ الْحُدُودِ فِي حَقِّ اللَّهِ وَحُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ .وَالسَّادِسُ : الْإِمَامَةُ فِي الْجُمَعِ وَالْجَمَاعَاتِ حَتَّى يَؤُمَّ بِهَا أَوْ يَسْتَخْلِفَ عَلَيْهَا .وَالسَّابِعُ : تَسْيِيرُ الْحَجِيجِ مَنْ عَمِلَهُ وَمَنْ سَلَكَهُ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِ حَتَّى يَتَوَجَّهُوا مُعَانِينَ عَلَيْهِ ، فَإِنْ كَانَ هَذَا الْإِقْلِيمُ ثَغْرًا مُتَاخِمًا لِلْعَدُوِّ وَاقْتَرَنَ بِهَا .الثَّامِنُ : وَهُوَ جِهَادُ مَنْ يَلِيهِ مِنْ الْأَعْدَاءِ وَقَسْمُ غَنَائِمِهِمْ فِي الْمُقَاتِلَةِ وَأَخْذُ خُمُسِهَا لِأَهْلِ الْخُمُسِ وَتُعْتَبَرُ فِي هَذِهِ الْإِمَارَةِ وَعُمُومِهَا فِي الْوَزَارَةِ وَلَيْسَ بَيْنَ عُمُومِ الْوِلَايَةِ وَخُصُوصِهَا فَرْقٌ فِي الشُّرُوطِ الْمُعْتَبَرَةِ فِيهَا ثُمَّ يَنْظُرُ فِي عَقْدِ هَذِهِ الْإِمَارَةِ ، فَإِنْ كَانَ الْخَلِيفَةُ قَدْ تَوَلَّاهُ كَانَ لِوَزِيرِ التَّفْوِيضِ عَلَيْهِ حَقُّ الْمُرَاعَاةِ وَالتَّصَفُّحِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عَزْلُهُ وَلَا نَقْلُهُ مِنْ إقْلِيمٍ إلَى غَيْرِهِ .وَإِنْ كَانَ الْوَزِيرُ قَدْ تَفَرَّدَ بِتَقْلِيدِهِ فَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يُقَلِّدَهُ عَنْ إذْنِ الْخَلِيفَةِ ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ عَزْلُهُ وَلَا نَقْلُهُ عَنْ عَمَلِهِ إلَى غَيْرِهِ إلَّا عَنْ إذْنِ الْخَلِيفَةِ وَأَمْرِهِ ، وَلَوْ عُزِلَ الْوَزِيرُ لَمْ يَنْعَزِلْ هَذَا الْأَمِيرُ .وَالضَّرْبُ الثَّانِي : أَنْ يُقَلِّدَهُ عَنْ نَفْسِهِ فَهُوَ نَائِبٌ عَنْهُ فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنْفَرِدَ بِعَزْلِهِ وَالِاسْتِبْدَالِ بِهِ بِحَسَبِ مَا يُؤَدِّيهِ الِاجْتِهَادُ إلَيْهِ مِنْ النَّظَرِ فِي الْأَوْلَى