responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الأحكام السلطانية والولايات الدينية المؤلف : الماوردي    الجزء : 1  صفحة : 186


فَالْكَلَأُ أَهْوَنُ عَلَيَّ مِنْ الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ ، وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْلَا الْمَالُ الَّذِي أَحْمِلُ عَلَيْهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا حَمَيْتُ عَلَيْهِمْ مِنْ بِلَادِهِمْ شِبْرًا : فَأَمَّا قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ * ( لَا حِمَى إلَّا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ ) * .
فَمَعْنَاهُ لَا حِمًى إلَّا عَلَى مِثْلِ مَا حَمَاهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَلِمَصَالِحِ كَافَّةِ الْمُسْلِمِينَ ؛ لَا عَلَى مِثْلِ مَا كَانُوا عَلَيْهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ تَفَرُّدِ الْعَزِيزِ مِنْهُمْ بِالْحِمَى لِنَفْسِهِ ، كَاَلَّذِي كَانَ يَفْعَلُهُ كُلَيْبُ بْنُ وَائِلٍ ؛ فَإِنَّهُ كَانَ يُوَافِي بِكَلْبٍ عَلَى نَشَازٍ مِنْ الْأَرْضِ ثُمَّ يَسْتَعْدِيهِ وَيَحْمِي مَا انْتَهَى إلَيْهِ عُوَاؤُهُ مِنْ كُلِّ الْجِهَاتِ ، وَيُشَارِكُ النَّاسُ فِيمَا عَدَاهُ حَتَّى كَانَ ذَلِكَ سَبَبَ قَتْلِهِ ، وَفِيهِ يَقُولُ الْعَبَّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ مِنْ الطَّوِيلِ :
كَمَا كَانَ يَبْغِيهَا كُلَيْبٌ بِظُلْمِهِ * مِنْ الْعِزِّ حَتَّى طَاحَ وَهُوَ قَتِيلُهَا عَلَى وَائِلٍ إذْ يَتْرُكُ الْكَلْبَ نَابِحًا * وَإِذْ يَمْنَعُ الْأَقْنَاءَ مِنْهَا حُلُولُهَا وَإِذَا جَرَى عَلَى الْأَرْضِ حُكْمُ الْحِمَى اسْتِبْقَاءً لِمَوَاتِهَا سَابِلًا وَمَنْعًا مِنْ إحْيَائِهَا مِلْكًا رُوعِيَ حُكْمُ الْمَحْمِيِّ ، فَإِنْ كَانَ لِلْكَافَّةِ تَسَاوَى فِيهِ جَمِيعُهُمْ مِنْ غَنِيٍّ وَفَقِيرٍ وَمُسْلِمٍ وَذِمِّيٍّ فِي رَعْيِ كَلَئِهِمْ بِخَيْلِهِمْ وَمَاشِيَتِهِمْ ، فَإِنْ خُصَّ بِهِ الْمُسْلِمُونَ اشْتَرَكَ فِيهِ أَغْنِيَاؤُهُمْ وَفُقَرَاؤُهُمْ وَمُنِعَ مِنْهُمْ أَهْلُ الذِّمَّةِ ؛ وَإِنْ خُصَّ بِهِ الْفُقَرَاءُ وَالْمَسَاكِينُ مُنِعَ مِنْهُ الْأَغْنِيَاءُ وَأَهْلُ الذِّمَّةِ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُخَصَّ بِهِ الْأَغْنِيَاءُ دُونَ الْفُقَرَاءِ ، وَلَا أَهْلُ الذِّمَّةِ دُونَ الْمُسْلِمِينَ ، وَإِنْ خَصَّ بِهِ نَعَمَ الصَّدَقَةِ أَوْ خَيْلَ الْمُجَاهِدِينَ لَمْ يُشْرِكْهُمْ فِيهِ غَيْرُهُمْ ثُمَّ يَكُونُ الْحِمَى جَارِيًا عَلَى مَا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ مِنْ عُمُومٍ وَخُصُوصٍ .
فَلَوْ اتَّسَعَ الْحِمَى الْمَخْصُوصُ لِعُمُومِ النَّاسِ جَازَ أَنْ يَشْتَرِكُوا فِيهِ لِارْتِفَاعِ الضَّرَرِ عَمَّنْ خَصَّ بِهِ ، وَلَوْ ضَاقَ الْحِمَى الْعَامُّ عَنْ جَمِيعِ النَّاسِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَخْتَصَّ بِهِ أَغْنِيَاؤُهُمْ ، وَفِي جَوَازِ اخْتِصَاصِ فُقَرَائِهِمْ بِهِ وَجْهَانِ ، وَإِذَا اسْتَقَرَّ حُكْمٌ لِحِمًى عَلَى أَرْضٍ فَأَقْدَمَ عَلَيْهَا مَنْ أَحْيَاهَا وَنَقَضَ حِمَاهَا رُوعِيَ الْحِمَى ، فَإِنْ كَانَ مِمَّا حَمَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ الْحِمَى ثَابِتًا وَالْإِحْيَاءُ بَاطِلًا وَالْمُتَعَرِّضُ لِإِحْيَائِهِ مَرْدُودًا مَزْجُورًا لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ سَبَبُ الْحِمَى بَاقِيًا ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُعَارِضَ حُكْمَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَقْضٍ وَلَا إبْطَالٍ .
وَإِنْ كَانَ مِنْ حِمَى الْأَئِمَّةِ بَعْدَهُ فَفِي إقْرَارِ إحْيَائِهِ قَوْلَانِ :
أَحَدُهُمَا لَا يُقَرُّ وَيَجْرِي عَلَيْهِ الْحِمَى كَاَلَّذِي حَمَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ حُكْمٌ نَفَذَ بِحَقٍّ .

اسم الکتاب : الأحكام السلطانية والولايات الدينية المؤلف : الماوردي    الجزء : 1  صفحة : 186
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست