فللفرد أن يستغل أمواله كيف يشاء ما لم يسلب الآخرين حريتهم الشكلية [1] . فإذا كنت تملك مثلاً مشروعاً ضخماً ، فبإمكانك على أساس المفهوم الرأسمالي عن الملكية الخاصة أن تتبع في مشروعك مختلف الأساليب التي تتيح لك القضاء على المشاريع الصغيرة ، والقذف بها خارج نطاق السوق ، بشكل يؤدي إلى دمارها وضرر أصحابها ، لأن ذلك لا يتعارض مع حريتهم الشكلية التي تحرص الرأسمالية على توفيرها للجميع [2] .
[1] لتوضيح معنى الحرية الشكلية والحرية الحقيقة راجع ص 259 من اقتصادنا الكتاب الأول . [2] تصرف المالك في ماله بشكل يؤدي إلى الاضرار بالآخرين على نوعين : أحدهما : التصرف الذي يضر شخصاً آخر ضرراً مالياً مباشراً ، بانقاض شيء من أمواله ، كما إذا حفرت في أرض لك حفيرة تؤدي إلى انهدام دار مجاورة لفرد آخر . والآخر : التصرف المضر بشكل غير مباشر الذي يؤدي إلى سوء حالة الآخرين ، دون أن ينقض فعلا شيئاً من أموالهم ، كالأساليب التي يتبعها المشروع الرأسمالي الكبير في تدمير المشاريع الصغيرة ، فان هذه الأساليب لا تفقد صاحب المشروع الصغير شيئاً من بضاعته التي يملكها فعلا ، وإنما قد تضطره إلى تصريفها بأرخص الأثمان والانسحاب من الميدان والعجز عن مواصلة العمل . أما النوع الأول فهو يندرج في القاعدة الإسلامية العامة ( لا ضرر ولا ضرار ) فيمنع المالك وفقاً لهذه القاعدة من ممارسة ذلك النوع من التصرف . وأما النوع الثاني فإندراجه في تلك القاعدة العامة يرتبط بتحديد مفهوم القاعدة عن الضرر . فإذا كان الضرر يعني النقص المباشر في المال أو النفس كما يرى كثير من الفقهاء - فلا يندرج هذا النوع في القاعدة ، لأنه ليس اضراراً بهذا المعنى . وإذا كان الضرر بمعنى سوء الحال كما جاء في كتب اللغة فهو مفهوم أوسع من النقص المالي المباشر ، ويمكن على هذا الأساس ادراج النوع الثاني في هذا المفهوم ، والقول بتحديد سلطة المالك على ماله ، ومنعه من ممارسة كلا النوعين المتقدمين من التصرفات المضرة ( * ) ، لأنها جميعاً تؤدي إلى سوء حال الآخرين ومرد سوء الحال إلى النقص أيضاً كما أوضحناه في بحوثنا الأصولية ودللنا على شمول القاعدة له .