responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الأغذية والأدوية المؤلف : الإسرائيلي، إسحاق بن سليمان    الجزء : 1  صفحة : 625


لان السكر منه يوجب أن يطفئ نور النفس الانسية ، وغلبة النفس البهيمية ، وإظهار القبيح والفواحش وعدم العقل والحبوة [1] والمروءة جملة . ومن أجل ذلك صار السكر محرما على كل ملة ، ومذموما عند كل أمة ، لأنه يمحو محاسن الوجه ويطفئ نور العقل ويفسد الفكر والرؤية ، ويزيل الذهن ويبطل الحس ويصير المميز الفاحص ثبالا [2] لا حس ‹ له › ولا حركة ، وكسفينة بغير ملاح ولا مدبر ، وجيش بلا قائد ولا سائق ، ولا إمام له ولا مهدي . وأما أهل اللوم والطيش فإنه يخرجهم إلى المرار ‹ و › كثرة الكلام والمهارشة والتنقل في أماكن الجلساء ، ثم يفتح قردية وطاووسية وسبعية ، ثم يغريهم بذكر المفاخر والتغالب والتراوس [3] وفتل الشارب وعضة الشفة وبحرق الثياب .
ومن قبل ذلك وجب على كل ذي عقل ، وبخاصة من كان ملكا يحتاج إلى تدبير مملكته وحاكما يحكم بين قومه بالعدل والانصاف ، ألا يتناول منه إلا مقدار الاحتمال والطاقة والعادة المحمودة ، لأنه إن جاوز ذلك أخذ منه ما يغم قلبه ويكشف نور عقله ويحجب حسه المنبعث من دماغه ، ويمنعه عن الانتشار في جملة بدنه كما يحجب السحاب نور الشمس عن الانتشار في العالم ، ويستر نور الحواس ، وأظلمت واسترقت الأعضاء ، ولم يملك الانسان من عقله ولسانه شيئا ، وأثيرت منه الألفاظ المذمومة القبيحة . ولم يكن ذلك راجعا على الشراب بل على الذي تجاوز فيه قدر احتماله ، وما أنهته طاعة وزخرف به عادته المحمودة ، لان الشراب ليس إنما يفعل ذلك لذاته وجوهريته ، وإنما يكثر به ويتجاوز به مقدار احتمال المستعمل . وليس كل ما أضر كثيره ، كان قليله مذموما ، لأنه لو وجب ذلك لكان القصد المعتدل من الغذاء والماء رديئا مذموما لما ينال الأبدان من الضرر والتلف عند الاكثار منهما ، ولكان اللطيف من الهواء غير محمود ، لأنه إذا تكاثر على المسام وتكاثف ، خنق الحرارة الغريزية وأطفأ نورها .
وقد نجد الفرح أيضا إذا أفرط وبخاصة إذا جاء دفعة ، أمات فجأة .
ومن منافع الشراب على سبيل الدواء ، مع ما قدمنا فيه من تفتيح سدد الكبد والطحال ، وتنقيته مجاريهما ولسائر عروق البدن من الأوساخ والاخلاط الغليظة والأثفال الرديئة ، وتحليله للبخارات المظلمة المهيجة للهموم والأحزان ، وتشجيعه للقلب وتوليده للسرور والطرب وطيب النفس ، وقدحه للعقل ، أن شربه نافع من العلة المعروفة بالجوع الكلبي والشهوة الكلبية . وذلك لجهتين : إحداهما :
بإسخانه المعدة وتنقيته للفضل المتعفن المولد للجوع الكلبي . والثانية : أنه يملا العروق ويغنيها عن طلب شئ تمتلئ به .
وللأشربة قوى مختلفة ، فأفضلها وأشرفها وألطفها وأسرعها انقلابا ، ماء الكرم الساذج البسيط وبخاصة ما قد أتى عليه ثلاثة أحوال وكان متوسطا بين الصفرة والحمرة ، ورائحته ذكية ، وطعمه



[1] الحبوة ، وبضم الميم أيضا : العطية .
[2] كذا في الأصل وبالرفع . ولعلها ثوالا . وثول الرجل : حمق .
[3] أي التعالي والسير تبخترا .

اسم الکتاب : الأغذية والأدوية المؤلف : الإسرائيلي، إسحاق بن سليمان    الجزء : 1  صفحة : 625
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست