responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الأغذية والأدوية المؤلف : الإسرائيلي، إسحاق بن سليمان    الجزء : 1  صفحة : 147


فقليل ما ينتقل إلى الماء المالح لزعوقته [1] وبشاعته وقلة استلذاذه له . ولذلك صار لا ينتقل إليه منه إلا ما كان قريبا من فم البحر ، لأنه يمتد مع الماء المنصب إلى البحر من الأنهار لشدة جريه ويدخل إلى البحر ضرورة .
والذي يمتاز به السمك البحري من النهري الزفورة والشوك ، من قبل أن زفورة السمك البحري أنقص ، وشوكه أقل وأغلظ ، وزفورة السمك النهري أكثر وشوكه أرق وأغزر . فمتى وجدنا في البحر سمكا زفورته أكثر وشوكه أرق وأغزر ، علمنا أنه نهري انتقل إلى البحر ، ومتى وجدنا في النهري سمكا زفورته أنقص وشوكه أقل وأغلظ ، علمنا أنه بحري انتقل إلى النهري . والفرق بين النوعين في طبائعهما ومزاجاتهما : أن البحري بإضافته إلى النهري ، أسخن وأقل رطوبة ولزوجة ، لان ملوحة الماء الذي يأوي فيه تسخنه وتقطع رطوبته وغلظه . ولذلك قل شحمه ونقصت عذوبته ، وصار ما ينال البدن من غذائه أقل ، وإن كان أحمد وألذ طعما وأسرع انهضاما ونفوذا في العروق وأقرب من الانقلاب إلى الدم وأسهل انحلالا من الأعضاء ، إلا أنه بطئ الانحدار عن المعدة والمعاء .
والسبب في لذاذة طعمه ، قلة ما فيه من الشحم والعذوبة والسهوكة [2] . والسبب في قلة غذائه سرعة انحلاله من الأعضاء وخلائها منه بسرعة وفقرها إلى غذاء غيره من قرب . والسبب في بعد انحداره عن المعدة والمعاء ، يكون من جهتين : إحداهما : أن ليس فيه من الرطوبة واللزوجة ما يزلقه ويحدره بسرعة . والثانية : أن ليس فيه من الغلظ ما يمنع نفوذه في العروق بسهولة فيكثر في المعدة ويثقلها ويهيجها إلى دفعه بسرعة .
وأما السمك النهري ، فمخالف للسمك البحري في فعله وانفعاله كثيرا لأنه في طبيعته ومزاجه بإضافته إلى السمك البحري ، أبرد وأرطب ، لان ماء الأنهار بارد رطب [3] ويستدل على ذلك من تفاهته .
ولذلك صار السمك المتولد فيه أكثر عذوبة وغلظا [4] ، ذلك لكثرة شحمه ولزوجته . ولهذه الجهة صار ما ينال البدن من غذائه أكثر ، إلا أنه أردأ وأعظم انهضاما وأقل لذاذة ونفوذا في العروق وأبعد من الانحلال من الأعضاء ، وإن كان أسرع انحدارا عن المعدة والمعاء . والسبب في فساد غذائه ، كثرة لزوجته وغلظه وعسر انهضامه . والسبب في قلة لذاذته ، سهوكته وكثرة شحمه وظهور عذوبته . والسبب في كثرة غذائه ، بعد انحلاله من الأعضاء وطول لبثه فيها وغناها عن طلب غذاء غيره مستأنف من قرب ، لان ذلك يقوم لها مقام الكثير من الغذاء . وأما سرعة انحداره عن المعدة والمعاء ، فلجهتين : إحداهما : أنه لكثرة رطوبته ولزوجته ، يلين خمل المعدة ويزلق وينحدر بسرعة . والثانية : أنه لغلظه وعسر نفوذه في العروق ، يجتمع منه في المعاء ما يثقلها ويهيج القوة إلى إخراجه بسرعة .



[1] الزعرقة : اسم من الزعاق وهو الماء المر لا يطاق شربه .
[2] السهوكة والسهكة : ريح كريهة تكون ممن عرق أو من اللحم المنتن أو من السمك .
[3] في الأصل بالنصب .
[4] في الأصل : وغلظ .

اسم الکتاب : الأغذية والأدوية المؤلف : الإسرائيلي، إسحاق بن سليمان    الجزء : 1  صفحة : 147
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست