responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الإحكام في أصول الأحكام المؤلف : ابن حزم    الجزء : 1  صفحة : 60


الخالق الأول تعالى ، والشاهد لنبيه صلى الله عليه وسلم بها على صحة ما أتى به عنه تعالى ، فوجب علينا تفهم القرآن والاخذ بما فيه ، فوجدنا فيه التنبيه على صحة ما كنا متوصلين به إلى معرفة الأشياء على ما هي عليه من مدارك العقل والحواس ، ولسنا نعني بذلك أننا نصحح بالقرآن شيئا كنا نشك فيه من صحة ما أدركه العقل والحواس ، ولو فعلنا ذلك لكنا مبطلين للحقائق ، ولسلكنا برهان الدور الذي لا يثبت به شئ أصلا .
وذلك أننا كنا نسأل فيقال لنا : بم عرفتم أن القرآن حق ؟ فلا بد أن نقول بمقدمات صحاح يشهد لها العقل والحس ، ثم يقال لنا : بماذا عرفتم صحة العقل والحس المصححين لتلك المقدمات ؟ فكنا نقول بالقرآن ، فهذا استدلال فاسد مبطل للحقائق ، ولكنا قلنا : إن في القرآن التنبيه لأهل الجهل والغفلة وحسم شغب أهل العناد ، وذلك أن قوما من أهل ملتنا يبطلون حجج العقول ويصححون حجج القرآن فأريناهم أن في القرآن إبطال قولهم ، وإفساد مذاهبهم ، وأن الله تعالى قد علم أن سيكون في العالم أمثالهم ، فأخبرنا بما يبطل به شغبهم ، ويزيل شكوكهم ، كما قال تعالى : ( ما فرطنا في الكتاب من شئ ) * فما أمرنا فيه تعالى باستعمال دلائل العقل والحواس قوله تعالى : * ( وجعل لكم السمع والابصار والأفئدة قليلا ما تشكرون ) * وصدق الله تعالى ما شكره من إبطال دلائل سمعه وبصره وعقله وقال تعالى : * ( ألم نجعل له عينين ، ولسانا وشفتين ، وهديناه النجدين ) * . وذم تعالى من لم يستعمل دلائلها ، فقال حاكيا عن قوم معذبين ، ولاعراضهم عن الاستدلال المؤدي إلى معرفة الحقائق ، قال الله تعالى : * ( ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالانعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون ) إلى قوله ( سيجزون ما كانوا يعملون ) وقال تعالى حاكيا عن مثلهم ( وقالوا لو كنا نسمع ونعقل ما كنا في أصحاب السعير ) * فصدقهم الله عز وجل في قولهم ذلك فقال تعالى : ( فاعترفوا بذنبهم فسحقا لأصحاب السعير ) وقال تعالى ( فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شئ ) فذم تعالى من لم ينتفع بما أعطاه من الحواس والعقل

اسم الکتاب : الإحكام في أصول الأحكام المؤلف : ابن حزم    الجزء : 1  صفحة : 60
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست