اسم الکتاب : الإحكام في أصول الأحكام المؤلف : ابن حزم الجزء : 1 صفحة : 34
الباب الخامس في الألفاظ الدائرة بين أهل النظر قال أبو محمد : هذا باب خلط فيه كثير ممن تكلم في معانيه ، وشبك بين المعاني وأوقع الأسماء على غير مسمياتها ، ومزج بين الحق والباطل ، فكثر لذلك الشغب والالتباس ، وعظمت المضرة وخفيت الحقائق ، ونحن إن شاء الله تعالى بحوله وقوته مميزون معنى كل لفظة على حقيقتها ، فنقول وبالله تعالى نتأيد : الحد : هو لفظ وجيز يدل على طبيعة الشئ المخبر عنه كقولك : الجسم هو كل طويل عريض عميق ، فإن الطول والعرض والعمق هي طبائع الجسم لو ارتفعت عنه ارتفعت عن الجسمية ضرورة ولم يكن جسما ، فكانت هذه العبارة مخبرة عن طبيعة الجسم ومميزة له مما ليس بجسم . والرسم : هو لفظ وجيز يميز المخبر عنه مما سواه فقط دون أن ينبئ عن طبيعته كقولك : الانسان هو الضحاك ، فإنك ميزت الانسان بهذا اللفظ تمييزا صحيحا مما سواه ، إلا أنك لم تخبر بطبيعته لأنك لو توهمت الضحك مرتفعا عن الانسان لم تبطل بذلك عنه الانسانية ولامتنع بذلك من الكلام في المعلوم والتصرف في الصناعات ولبقيت سائر طبائعه بحسبها . قال أبو محمد علي : ولما كان هذان المعنيان متغايرين ، كل واحد منهما غير صاحبه ، وجب ضرورة أن يعبر عن كل واحد منهما بعبارة غير عبارتنا عن الآخر ، ولو عبرنا عنهما عبارة واحدة لكنا قد أوقعنا من يقبل منا في الاشكال ولكنا ظالمين لهم جدا وغير ناصحين لهم ، وهذا خلاف ما أخذه الله تعالى على العلماء ، إذ يقول الله تعالى على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم : ليبينه للناس ولا يكتمونه ، ومن لبس الحقائق فقد كتمها . والعلم : هو تيقن الشئ على ما هو عليه ، إما عن برهان ضروري موصل إلى تيقنه كذلك ، وإما أول بالحس أو ببديهة العقل ، وإما حادث عن أول على ما بينا في كتاب التقريب من أخذ المقدمات الراجعة إلى أول العمل أو الحس ، إما من
اسم الکتاب : الإحكام في أصول الأحكام المؤلف : ابن حزم الجزء : 1 صفحة : 34