اسم الکتاب : كتاب السياسة المؤلف : ابن سينا الجزء : 1 صفحة : 13
تمكّن منه من ذلك غلب عليه فلم يستطع له مفارقة و لا عنه نزوعا
فينبغي لغنم الصبيّ ان يجنّبه مقابح الاخلاق و ينكب عنه معايب العادات بالترهيب و
الترغيب و الإيناس و الإيحاش و بالإعراض و الاقبال و بالحمد مرّة و بالتوبيخ أخرى
ما كان كافيا. فان احتاج الى الاستعانة باليد لم يحجم عنه و ليكن اوّل الضرب قليلا
موجعا كما اشار به الحكماء قبل بعد الارهاب الشديد و بعد إعداد الشفعاء فان الضربة
الاولى اذا كانت موجعة ساء ظنّ الصبي بما بعدها و اشتدّ منها خوفه و اذا كانت
الاولى خفيفة غير مؤلمة حسن ظنه بالباقي فلم يحفل به فاذا اشتدت مفاصل الصبي و
استوى لسانه و تهيّأ للتلقين و وعى سمعه أخذ في تعلّم القرآن و صوّر له حروف
الهجاء و لقّن معالم الدين. و ينبغي ان يروي الصبي الرجز ثم القصيدة فان رواية
الرجز اسهل و حفظه امكن لان بيوته اقصر و وزنه أخفّ. و يبدأ من الشعر بما قيل في
فضل الادب و مدح العلم و ذم الجهل و عيب السخف و ما حثّ فيه على برّ الوالدين و
اصطناع المعروف و قرى الضيف و غير ذلك من مكارم الاخلاق و ينبغي ان يكون مؤدّب
الصبي عاقلا ذا دين بصيرا برياضة الاخلاق حاذقا بتخريج الصبيان و وقورا رزينا
بعيدا من الخفّة و السخف قليل التبذّل و الاسترسال بحضرة الصبي غير كزّ [1] و لا جامد بل حلوا لبيبا ذا مروءة و
نظافة و نزاهة قد خدم سراة الناس [2] و عرف ما يتباهون به من اخلاق الملوك و يتعايرون به من أخلاق
السّفلة و عرف آداب المجالسة و آداب المؤاكلة (v
67( و المحادثة و
المعاشرة و ينبغي ان يكون مع الصبي في مكتبه صبية من اولاد الجلّة [3] حسنة آدابهم مرضيّة عاداتهم فان
الصبيّ عن الصبي ألقن و هو عنه آخذ و به آنس. و انفراد الصبي الواحد بالمؤدّب اجلب
الأشياء لضجرهما فاذا راوح المؤدّب بين الصبيّ و الصبيّ كان ذلك أنفى للسآمة و
أبقى للنشاط و أحرص للصبيّ على التعلم و التخرّج فانه يباهي الصبيان مرة و يغبطهم
مرة و يأنف من القصور عن شأوهم [4] مرة. ثم يحادث الصبيان و المحادثة تفيد انشراح العقل و تحلّ منعقد
الفهم. لانّ كلّ واحد من اولئك انّما يتحدث بأعذب ما رأى و أغرب ما سمع فتكون
غرابة الحديث سببا للتعجب منه و التعجب