وَ الثَّالِثَةُ: الرُّطُوبَةُ القَرِيبَةُ الْعَهْدِ بِالانْعِقَادِ، فَهِىَ غِذَاءٌ اسْتَحَالَ إلَى جَوْهَرِ الأعْضَاءِ مِنْ طَرِيقِ الْمِزَاجِ وَ التَّشْبِيهِ، وَ لَمْ تَسْتَحِلْ بَعْدُ مِنْ طَرِيقِ الْقِوَامِ التَّامِّ.
وَ الرَّابِعَةُ: الرُّطُوبَةُ الْمُدَاخِلَةُ لِلأعْضَاءِ الأَصْلِيَّةِ مُنْذُ ابْتِدَاءِ النَّشْوِ الَّتِى بِهَا اتِّصَالُ أَجْزَائِهَا وَ مَبْدَؤُهَا مِنَ النُّطْفَةِ وَ مَبْدَأُ النُّطْفَةِ مِنَ الأَخْلاطِ.
وَ نَقُولُ أيْضاً: إنَّ الرُّطُوبَاتِ الْخِلْطِيَّةَ الْمَحْمُودَةَ وَ الْفَضْلِيَّةَ تَنْحَصِرُ فِى
أَرْبَعَةِ أَجْنَاسٍ: جِنْسُ الدَّمِ وَ هُوَ أَفْضَلُهَا، وَ جِنْسُ الْبَلْغَمِ، وَ جِنْسُ الصَّفْرَاءِ، وَ جِنْسُ السَّوْدَاءِ.
وَ الدَّمُ: حَارُّ الطَّبْعِ رَطْبُهُ وَ هُوَ صِنْفَانِ: طَبِيعِىٌّ وَ غَيْرُ طَبِيعِىٍّ، وَ الطَّبِيعِىُّ: أَحْمَرُ اللَّوْنِ لا نَتْنَ لَهُ، حُلْوٌ جِدّاً. وَ غَيْرُ الطَّبِيعِىِّ: قِسْمَانِ فَمِنْهُ مَا قَدْ تَغَيَّرَ عَنِ الْمِزَاجِ الصَّالِحِ لا بِشَىْ ءٍ [1] خَالَطَهُ، وَ لَكِنْ بِأَنْ ساءَ مِزَاجُهُ فِى نَفْسِهِ فَبَرَدَ مِزَاجُهُ مَثَلًا أوْ سَخُنَ، وَ مِنْهُ مَا إنَّمَا تَغَيَّرَ بِأَنْ حَصَلَ خِلْطٌ رَدِىءٌ فِيهِ وَ ذَلِكَ قِسْمَانِ: فَإنَّهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ الْخِلْطُ وَرَدَ عَلَيْهِ مِنْ خَارِجٍ فَنَفَذَ فِيهِ فَأَفْسَدَهُ، وَ إمَّا أنْ يَكُونَ الْخِلْطُ تَوَلَّدَ فِيهِ نَفْسُهُ مَثَلًا بِأنْ يَكُونَ عَفِنَ بَعْضُهُ فَاسْتَحَالَ لَطِيفُهُ مِرَّةً صَفْرَاءَ، وَ كَثِيفُهُ مِرَّةً سَوْدَاءَ، وَ بَقِيَا أوْ أَحَدُهُمَا فِيهِ، وَ هَذَا الْقِسْمُ بِقِسْمَيْهِ يَخْتَلِفُ [2] بِحَسَبِ مَا يُخَالِطُهُ. وَ أَصْنَافُهُ مِنْ أَصْنَافِ الْبَلْغَمِ وَ أَصْنَافِ السَّوْدَاءِ وَ أَصْنَافِ الصَّفْرَاءِ وَ الْمَائِيَّةِ، فَيَصِيرُ تَارَةً عَكَراً وَ تَارَةً رَقِيقاً وَ تَارَةً أَسْوَدَ شَدِيدَ السَّوَادِ وَ تَارَةً أَبْيَضَ، وَ كَذَلِكَ يَتَغَيَّرُ فِى رَائِحَتِهِ وَ فِى طَعْمِهِ فَيَصِيرُ مُرّاً وَ مَالِحاً وَ إلَى الْحُمُوضَةِ.
[1] ب، آ، ج: بشىء. ط: لشىء.
[2] ب: مختلف. ط، ج، آ: يختلف.