وَ هَذِهِ الْقُوَى الطَّبِيعِيَّةُ الأرْبَعُ تَخْدِمُهَا الْكَيْفِيَّاتُ الأرْبَعُ الأُولَى، أَعْنِى الْحَرَارَةَ وَ الْبُرُودَةَ وَالرُّطُوبَةَ والْيُبُوسَةَ. أمَّا الْحَرَارَةُ فَخِدْمَتُهَا بِالْحَقِيقَةِ مُشْتَرَكَةٌ لِلأَرْبَعِ.
وَ أمَّا الْبُرُودَةُ فَقَدْ يَخْدِمُ بَعْضَهَا خِدْمَةً بِالْعَرَضِ لا بِالذَّاتِ، فَإنَّ الأَمْرَ الَّذِى بِالذَّاتِ لِلْبُرُودَةِ أنْ يَكُونَ مُضَادّاً لِجَمِيعِ الْقُوَى، لأَنَّ أَفْعَالَ جَمِيعِ الْقُوَى هِىَ بِالْحَرَكَاتِ. أمَّا فِى الْجَذْبِ وَالدَّفْعِ فَذَلِكَ ظَاهِرٌ. وَأمَّا فِى الْهَضْمِ فَلأَنَّ الْهَضَمَ يَسْتَكْمِلُ بِتَفْرِيقِ أجْزَاءِ مَا غَلُظَ وَكَثُفَ وَجَمْعِهَا مَعَ مَا رَقَّ وَ لَطُفَ. وَ هَذِهِ بِحَرَكَاتٍ [1] تَفْرِيقِيَّةٍ وَ تَمْزِيجِيَّةٍ. وَ أمَّا الْمَاسِكَةُ فَهِىَ تَفْعَلُ بِتَحْرِيكِ اللِّيفِ الْمُوَرَّبِ إلَى هَيْئَةٍ مِنَ الاشْتِمَالِ مُتْقَنَةٍ.
وَ الْبُرُودَةُ مُمِيتَةٌ مُخَدِّرَةٌ مَانِعَةٌ عَنْ جَمِيعِ هَذِهِ الأَفْعَالِ إلَّا أنَّهَا تَنْفَعُ فِى الإمْسَاكِ بِالْعَرَضِ بِأَنْ يَحْبِسَ اللِّيفَ عَلَى هَيْئَةِ الاشْتِمَالِ الصَّالِحِ، فَتَكُونُ غَيْرَ دَاخِلَةٍ فِى فِعْلِ الْقُوَى الْمَاسِكَةِ [2] بَلْ مُهَيِّئَةٌ لِلآلَةِ تهْيِئَةً تَحْفَظُ بِهَا فِعْلَهَا. وَأمَّا الدَّافِعَةُ فَتَنْتَفِعُ بِالْبُرُودَةِ بِمَا تَمْنَعُ مِنْ تَحْلِيلِ الرِّيحِ الْمُعِينَةِ لِلدَّفْعِ، وَ بِمَا تُعِينُ فِى تَغْلِيظِهِ، وَ بِمَا تَجْمَعُ اللِّيفَ الْعَرِيضَ الْعَاصِرَ وَتُكَثِّفُهُ [3]. وَ هَذَا أيْضاً تَهْيِئَةٌ لِلآلَةِ لا مَعُونَةٌ فِى نَفْسِ الْفِعْلِ. فَالْبَرْدُ إنَّمَا يَدْخُلُ فِى خِدْمَةِ هَذِهِ الْقُوَى بِالْعَرَضِ وَ لَوْ دَخَلَ فِى نَفْسِ فِعْلِهَا لأَضَرَّ وَ لأَجْمَدَ [4] الْحَرَكَةَ.
وَأمَّا الْيُبُوسَةُ فَالْحَاجَةُ إلَيْهَا فِى أَفْعَالِ قُوًى ثَلاثٍ: النَّاقِلَتَانِ وَ الْمَاسِكَةُ. أمَّا النَّاقِلَتَانِ وَ هُمَا الْجَاذِبَةُ وَ الدَّافِعَةُ، فَلِمَا فِى اليُبْسِ مِنْ فَضْلِ تَمْكِينٍ مِنَ الاعْتِمَادِ الَّذِى لا بُدَّ مِنْهُ فِى الْحَرَكَةِ أَعْنِى حَرَكَةَ الرُّوحِ الْحَامِلَةِ لِهَذِهِ الْقُوَى نَحْوَ فِعْلِهَا
[1] ط، ج: تحريكات. ب: بحركات.
[2] ط، آ، ج: الماسكة. ب: الدافعة.
[3] ط، ج: تكثفه. ب: يكنفه.
[4] ط، آ: لأجمد. ب، ج: لأخمد.