الْمَرْكُوزَةُ فِى الْفَكِّ الأَعْلَى فَأَقَلُّ مَا يَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا مِنَ الرُّؤُوسِ ثَلاثَةُ أَرْؤُسٍ، وَ رُبَمَا كَانَ وَ خُصُوصاً لِلنَّاجِذِينَ أَرْبَعَةُ أَرْؤُسٍ وَ قَدْ كَثُرَتْ رُؤُوسُ الأَضْرَاسِ لِكِبَرِهَا وَ لِزِيَادَةِ عَمَلِهَا، وَ زِيدَ لِلْعُلْيَا لِأنَّهَا مُعَلَّقَةٌ، وَ الثِّقَلُ يَجْعَلُ مَيْلَهَا إلَى خِلافِ جِهَةِ رُؤُوسِهَا. وَ أَمَّا السُّفْلَى فَثِقَلُهَا لا يُضَادُّ رَكْزَهَا، وَلَيْسَ لِشَىْءٍ مِنَ الْعِظَامِ حِسٌّ الْبَتَّةَ إلّا لِلأَسْنَانِ [1]. فَإنَّ جَالِينُوسَ [2] قَالَ: بَلِ التَّجْرِبَةُ تَشْهَدُ أَنَّ لَهَا حِسّاً أُعِينَتْ بِهِ بِقُوَّةٍ [3] تَأْتِيهَا مِنَ الدِّمَاغِ لِتُمَيِّزَ أيْضاً [4] بَيْنَ الْحَارِّ وَ الْبَارِدِ.
الْفَصْلُ السَّادِسُ فِى مَنْفَعَةِ الصُّلْبِ
الصُّلْبُ مَخْلُوقٌ لِمَنَافِعَ أَرْبَعٍ: إحْدَاهَا لِيَكُونَ مَسْلَكاً لِلنُّخَاعِ الْمُحْتَاجِ إِلَيْهِ فِى بَقَاءِ الْحَيَوَانِ لِمَا نَذْكُرُهُ مِنْ مَنْفَعَةِ النُّخَاعِ فِى مَوْضِعِهِ بِالشَّرْحِ. وَأَمَّا هَاهُنَا فَنَذْكُرُ مِنْ ذَلِكَ أَمْراً مُجْمَلًا وَهُوَ أنَّ الأعْصَابَ لَوْ نَبَتَتْ كُلُّهَا مِنَ الدِّمَاغِ لاحْتِيجَ أنْ يَكُونَ الرَّأْسُ أَعْظَمَ مِمَّا هُوَ عَلَيْهِ بِكَثِيرٍ، وَ لَثَقُلَ عَلَى الْبَدَنِ حَمْلُهُ، وَ أَيْضاً لاحْتَاجَتِ الْعَصَبَةُ إلَى قَطْعِ مَسَافَةٍ بَعِيدَةٍ حَتَّى تَبْلُغَ أَقَاصِىَ الأَطْرَافِ، فَكَانَتْ مُتَعَرِّضَةً لِلآفَاتِ وَ الانْقِطَاعِ، وَ كَانَ طُولُهَا يُوهِنُ قُوَّتَهَا فِى جَذْبِ الأَعْضَاءِ الثَّقِيلَةِ إلَى مَبَادِيهَا، فَأَنْعَمَ الْخَالِقُ عَزَّ اسْمُهُ بِإِصْدَارِ جُزْءٍ مِنَ الدِّمَاغِ وَهُوَ النُّخَاعُ إلَى أَسْفَلِ الْبَدَنِ كَالْجَدْوَلِ مِنَ الْعَيْنِ، لِيُتَوَزَّعَ مِنْهُ قِسْمَةُ الْعَصَبِ فِى جَنَبَاتِهِ وَ آخِرِهِ، بِحَسَبِ مُوَازَاتِهِ وَ مُصَاقَبَتِهِ لِلأَعْضَاءِ، ثُمَّ جُعِلَ الصُّلْبُ مَسْلَكاً حَرِيزاً لَهُ.
[1] ب، آ: الأسنان. ط، ج: للأسنان.
[2] ب: قال جالينوس. ط، آ، ج: فإن جالينوس قال.
[3] ب: بقوة. ط، آ، ج: لقوة.
[4] ط، آ:- أيضاً.