فإن لم يسبق بأمر هو ماض للوقت الأول من حدوث الخلق فهو حادث مع
حدوثه، و كيف لا يكون سبق على أوضاعهم بأمر مّا للوقت الأول من الخلقة، و قد كان و
لا خلق، و كان و خلق؟ و ليس «كان و لا خلق» ثابتا عند كونه «كان و خلق» و لا «كونه
قبل الخلق» ثابت مع «كونه مع الخلق» و ليس «كان و لا خلق» نفس وجوده وحده؛ فإن
ذاته حاصلة بعد الخلق، و لا كان و لا خلق هو وجوده مع عدم الخلق بلا شىء ثالث،
فإن وجود ذاته حاصل بعد الخلق، و عدم الخلق موصوف بأنه قد كان و ليس الآن. و تحت
قولنا:
«كان» معنى معقول دون معقول الأمرين، لأنك إذا قلت: «وجود ذات و عدم
ذات» لم يكن مفهوما منه السبق، بل قد يصح أن يفهم معه التأخر، فإنه لو عدمت
الأشياء صح وجوده و عدم الأشياء، و لم يصح أن يقال لذلك «كان» بل إنما يفهم السبق
بشرط ثالث، فوجود الذات شىء، و عدم الذات شىء، و مفهوم كان شىء [1] موجود غير المعنيين، و قد وضع هذا
المعنى للخالق ممتدا لا عن بداية، و جوّز فيه أن يخلق قبل أىّ خلق توهم فيه خلقا.
و إذا كان هكذا كانت هذه القبلية مقدرة مكمّمة، و هذا هو الذى نسميه
الزمان، إذ تقديره ليس تقدير ذى وضع و لا ثبات على سبيل التجدد.
ثم إن شئت فتأمل أقاويلنا الطبيعية إذ بيّنا أن ما يدل عليه معنى
«كان
[1] - في آخر الفصّ الموسوي من «فصول الحكم» ص 468: «إن «كان» حرف
وجودي». أي لفظ كان كلمة وجودية تدل على وجود خبرها لاسمها و ثبوته له، و إطلاق
الحرف عليه مجاز. و سماها القيصري أيضا في شرح الفصّ اللقماني منه أيضا بالكلمة
الوجودية (ص 434). و عبّر الشيخ قدّس سره عن هذا المعنى بقوله: «و قد وضع هذا
المعنى للخالق ممتدّا لا عن بداية» فتبصر.