اسم الکتاب : الأضحوية في المعاد المؤلف : ابن سينا الجزء : 1 صفحة : 57
ريعان الحداثة، و وجدنا من توفيق اللّه ما قصر علينا بسببه مدة
التفطن لما أورثوه. ثم قابلنا جميع ذلك بالنمط من العلم الذي يسميه اليونانيون
(المنطق)- و لا يبعد أن يكون له عند المشرقيين اسم غيره- حرفا حرفا، فوقفنا على ما
تقابل و على ما عصى و طلبنا لكل شيء وجهة، فحق ما حق و زاف ما زاف.
و لما كان المشتغلون بالعلم شديدي الاعتزاء الى (المشائين) من
اليونانيين، كرهنا شق العصا و مخالفة الجمهور، فانحزنا اليهم و تعصبنا للمشاءين إذ
كانوا أولى فرقهم بالتعصب لهم، و أكملنا ما أرادوه و قصروا فيه و لم يبلغوا أربهم
منه، و أغضينا عما تخبطوا فيه و جعلنا له وجها و مخرجا و نحن بدخلته شاعرون و على
ظله واقفون. فإن جاهرنا بمخالفتهم ففي الشيء الذي يمكن الصبر عليه. و أما الكثير
فقد غطيناه بأغطية التغافل.
فمن جملة ذلك ما كرهنا أن يقف الجهال على مخالفة ما هو عندهم من
الشهرة بحيث لا يشكون فيه و يشكون في النهار الواضح، و بعضه كان من الدقة بحيث
تعمش عنه عيون عقول هؤلاء الذين في العصر، فقد بلينا برفقة منهم عاري الفهم كأنهم
خشب مسندة يرون التعمق في النظر بدعة، و مخالفة المشهور ضلالة، كأنهم الحنابلة في
كتب الحديث، لو وجدنا منهم رشيدا ثبتناه بما حققناه، فكنا ننفعهم به و ربما تسنى
لهم الإيغال في معناه فعوضونا منفعة استبدوا بالتنفير عنها.
و من جملة ما ضننا باعلانه عابرين عليه- حق مغفل عنه يشار اليه فلا
يتلقى الا بالتعصب. فلذلك جرينا في كثير مما نحن خبراء ببجدته مجرى المساعدة دون
المحاقة. و لو كان ما انكشف لنا أول ما انصببنا الى هذا الشأن لم نبد فيه مراجعات
منا لأنفسنا، و معاودات من نظرنا- لما تبينا فيه رأيا و لاختلط علينا الرأي و سرى
في عقائدنا الشك و قلنا لعل و عسى.
لكنكم أصحابنا تعلمون حالنا في أول أمرنا و آخره و طول المدة التي
بين حكمنا الأول و الثاني، و إذا وجدنا صورتنا هذه فبالحري أن نثق بأكثر ما
قضيناه
اسم الکتاب : الأضحوية في المعاد المؤلف : ابن سينا الجزء : 1 صفحة : 57