و هذا الحديث يشير إلى ضابطة خطيرة وتوصية عظيمة لابد أن يراعيها الباحثون في بيانات الكتاب والسنة والمتأمّلون لإشارات الوحي ولطائف الآيات والروايات، وهي ما مرّ بسطه في أوائل مباحث هذا الكتاب من أنّ دقائق المعرفة لا يستقيم إظهارها لعموم المؤمنين فضلًا عن المخالفين، و ذلك لعدم قدرتهم على تصورها بشكل صحيح وبنحو قويم مستقيم يحفظ فيه التوحيد الخالص وعبودية المخلوقات بل ينعكس المعنى مقلوباً لديهم بإطار منكوس رأساً على عقب، فيجرّ إلى نقض الغرض من الهداية إلى الضلالة، نظير ما لو جرّع طفلًا ما لا يتحمّله من الطعام فإنّه بدل أن يساهم في نموّه ورشده سيقضي عليه ويؤدي إلى مضاعفات تأتي عليه بالهلاك، ومن ثم كانت إذاعة تلك الدقائق والغوامض إضلال لعامة الأذهان وإشاعة للغواية.
والتوصية الثانية في الحديث أنّ التأويل والاستنتاج لنتائج أعمق لابد أن يراعى فيها الدلائل الموزونة لا هلوسة التخرصات المظنونة كما يجب التمسك بالمحكمات وعدم الانزلاق وراء كل متشابه مبهم طمعاً في الوقوف على الحقائق الخفية بوسيلة التشبث بالأمور الواهية.