كالثاني:حداء الإبل[1]،و استدل على جوازه بتقرير النبي صلّى اللّه عليه و اله لعبد اللّه بن رواحة[2]،و عدم ردعه عنه.
السمع من محل بعيد عن الأبصار صوت نداء عرف انّه من الغناء أو العزاء،فبعد
التأمل في البين و ظهور الفرق بين القسمين لم يكن الرثاء استثناء من الغناء
كما يظهر من بعض الفقهاء.
و هذا هو الذي جرت عليه سيرة الإمامية متلقين له بالقبول دون الانكار،و لكن
وجدنا بعض التصرفات من المتخذين لقراءة التعزية من طريق الاكتساب ألحانا
كألحان المغنين، و عند التحقيق و امعان النظر الدقيق علم أنّ النائح و
النائحة لو مدا صوتهما تمام المد و تجاوزا في الترجيع ما فات الحد لم يخرجا
عن صنعة النياحة المعروفة و لم يتصفا بصفة الغناء الموصوفة.انتهى.
[1]الحداء
كما في الصحاح و المغرب للمطرزي:هو سوق الإبل بالغناء لها،و في القاموس:
الحداء كغراب و ككتاب زجر الإبل و سوقها،و في شرح المنهاج لابن حجر الهيتمي
4/439:الحداء-بضم أوله و كسره و دال مهملة و مد-:ما يقال خلف الإبل من زجر
و غيره،و هذا أولى من تفسيره بأنّه تحسين الصوت الشجي بالشعر الجائز،و قال
السهيلي في الروض الأنف في غزوة خيبر:لا يكون الحداء إلاّ بشعر أو رجز.
و في المغني لابن قدامة 9/176 في الفقه الحنبلي هو انشاد الشعر الذي تساق
به الإبل، و في الأذكار للنووي/181:يستحب الحداء للسرعة في السير،و تنشيط
النفوس و ترويحها،و تسهيل السير عليها،و في عمدة القاري 8/299:أوّل من سن
الحداء مضر بن نزار،و في مكارم الأخلاق للطبرسي/165 باب 8 في نوادر السفر
عن النبي صلّى اللّه عليه و اله قال«زاد المسافر الحداء و الشعر ما ليس فيه
خنا». [2]روي عن عائشة كنّا مع النبي صلّى
اللّه عليه و اله في سفر و كان عبد اللّه بن رواحة جيد الحداء و هو مع
الرجال و أنجشة مع النساء فقال النبي صلّى اللّه عليه و اله:«يابن رواحة
حرك بالقوم،فاندفع يرتجز فتبعه أنجشة فاعنقت الإبل،فقال النبي صلّى اللّه
عليه و اله:رويدك رفقا بالقوارير،يعني النساء».
و في سنن البيهقي 10/227 في الشهادات عن قيس بن حازم:إنّ رسول اللّه صلّى
اللّه عليه و اله أمر عبد اللّه بن رواحة أن ينزل و يحرك الركاب فنزل و
قال:
s}و اللّه لو لا أنت ما اهتدينا#و ما تصدقنا و لا صلينا{s