لم تسمع في حقه من كتاب اللّه و سنّة نبيه شيئا يجعله في مصاف
عمّار، و لقد حار فكري و اللّه! في قولها: «لقدرأيت النبي و إني لمسندته إلى صدري فدعا بالطست، فانخنث فمات، فما
شعرت، فكيف أوصى إلى علي»؟ و ما أدري في أي نواحي كلامها هذا أتكلم، و هو محل
البحث من نواحي شتى، و ليت أحدا يدري كيف يكون موته- بأبي و أمي- و هو على الحال
التي و صفتها دليلا على أنه لم يوص، فهل كان من رأيها أن الوصية لا تصح إلّا عند
الموت؟
كلا، و لكن حجة من يكابر الحقيقة داحضة كائنا من كان، و قد قال
اللّه عزّ و جلّ مخاطبا لنبيه الكريم في محكم كتابه الحكيم:كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ
خَيْراً الْوَصِيَّةُ[1]فهل كانت
أم المؤمنين تراه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لكتاب اللّه مخالفا؟ و عن أحكامه
صادفا؟ معاذ اللّه و حاشا للّه! بل كانت تراه يقتضي أثره، و يتبع سوره، سبّاقا إلى
التعبد بأوامره و نواهيه، بالغا كل غاية من غايات التعبد بجميع ما فيه، و لا أشك
في أنها سمعته يقول[2]: «ماحق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه أن
يبيت ليلتين إلّا و وصيته مكتوبة عنده ... الخ[3]. أو سمعت نحوا من هذا، فإن أوامره الشديدة بالوصية مما لا ريب في
صدوره منه، و لا يجوز عليه و لا على غيره من الأنبياء صلوات اللّه عليهم أجمعين،
أن يأمروا بالشيء، ثم لا يأتمروا به، أو يزجروا عن الشيء، ثم لا ينزجروا عنه،
تعالى
[2]فيما أخرجه في أول كتاب الوصايا من صحيحه ص 83 من جزئه الثاني. و
أخرجه مسلم في كتاب الوصية ص 10 من الجزء الثاني من صحيحه. (منه قدّس سرّه).
[3]يوجد في صحيح البخاري كتاب الوصية في أوله: ج 3 ص 186 أوفست دار
الفكر، و ج 2 ص 124 ط دار إحياء الكتب، و ج 4 ص 2 ط مطابع الشعب و ط محمد علي
صبيح، و ج 2 ص 84 ط المعاهد، و ج 2 ص 132 ط الشرفية، و ج 4 ص 3 ط الفجالة، و ج 2 ص
78 ط الميمنية بمصر، و ج 3 ص 82 ط بمبئي، صحيح مسلم كتاب الوصية: ج 5 ص 70 ط محمد
علي صبيح، و ج 2 ص 11 ط عيسى الحلبي، و ج 12 ص 74 ط مصر بشرح النووي، موطأ مالك: ج
2 ص 228 ط دار إحياء الكتب العربية، الفتح الكبير للنبهاني: ج 3 ص 91.