قال أبو سعيد: و كان ينبغي أن يقول:" عسل في الطّريق
الثّعلب" و عسل: عدا. و هو يصف رمحا يهتزّ متنه، فجعل سرعة اهتزازه بمنزلة
عسلان الثّعلب.
و لم يجعل سيبويه الطريق ظرفا؛ لأن الطريق اسم خاصّ للموضع المستطرق،
ألا ترى أنه لا يقال للمسجد طريق، و لا للبيوت طرق على الإطلاق، و إنما
يقال:" جعلت المسجد طريقا" أي استطرقته، و ليس الطريق المعروف على هذا
المنهاج.
و قد قال بعض النحويين إن الطريق ظرف؛ لأن كل موضع استطرقته فهو
طريق.
قال سيبويه:" و يتعدّى إلى ما كان وقتا للأماكن، كما يتعدّى
إلى ما كان وقتا في الأزمنة، لأنه وقت يقع في المكان و لا يختصّ به مكان واحد، كما
أن ذلك وقت في الأزمان، و لا يختص به زمن بعينه".
قال أبو سعيد: يريد أن الفعل يتعدى إلى ما كان مقدار مسافته من
الأمكنة، نحو الفرسخ و الميل، و ذلك أن الفرسخ و الميل و ما أشبهه يصلح وقوعه على
كل مكان بتلك المسافة المعلومة المقدّرة، و سمّاه وقتا؛ لأن العرب قد تستعمل
التوقيت في معنى التقدير، و إن لم يكن زمنا، ألا ترى أن النّبي صلّى اللّه عليه و
سلّم وقّت مواقيت الحجّ لكل بلد، فجعلها أماكن، فميقات أهل العراق" ذات
عرق" و ميقات أهل الشام" الجحفة"، و ميقات أهل المدينة" ذو
الحليفة". و سبيل الفرسخ و الميل في المكان كسبيل اليوم و الشهر في الزمان.
قال سيبويه:" فلما صار بمنزلة الوقت في الزمن كان مثله"،يعني لما صار الفرسخ في المكان
بمنزلة الشهر في الزمن كان مثله في الظرف.
قال سيبويه:" و كذلك كان ينبغي أن يكون إذ صار فيما هو أبعد
نحو ذهبت الشأم".
يعني أنّ العرب لما جعلوا الشأم ظرفا بالتأويل الذي ذكرناه، كان
الفرسخ و الميل، و ما أشبه ذلك أولى بالظرف؛ لأنه لكل مكان، و الشأم أبعد من ذلك؛
لأنّه اسم مكان بعينه.
[1]البيت في ديوان الهذليين 1120، و سيبويه 1/
16، و خزانة الأدب 1/ 474، و اللسان (عسل).
اسم الکتاب : شرح كتاب سيبويه المؤلف : السيرافي، ابو سعید الجزء : 1 صفحة : 273