اسم الکتاب : شرح كتاب سيبويه المؤلف : السيرافي، ابو سعید الجزء : 1 صفحة : 17
فإن قال قائل: إذا كان الفعل يعمل في المصادر، و حكم العامل أن يكون
قبل المعمول فيه، فهلا دلّكم ذلك على أن الفعل قبل المصدر؟
قيل له هذا ساقط من وجهين: أحدهما:
أنه لا فعل إلا و هو عامل في اسم، و مع هذا فالأسماء قبل الأفعال في الرتبة،
لقيامها بأنفسها، و استغنائها عن الأفعال، و لا يعمل اسم في فعل، فلو كان جنس عمل
العامل في المعمول فيه في غير ترتيب عمله، يوجب أن يكون العامل قبل المعمول فيه،
لوجب أن تكون الأفعال قبل الأسماء، و وجب من ذلك ما هو أقبح من ذلك، و هو أن تكون
الحروف قبل الأسماء و الأفعال؛ لأنها تكون عاملة في الأسماء و الأفعال، و لا
يعملان فيها، و هذا محال فاسد؛ لأن الحروف جاءت لمعان في الأسماء و الأفعال، و لا
يقمن بأنفسهن.
و الوجه الثاني: أن قولنا:"
ضربت ضربا" معناه أوقعت ضربا، و فعلت ضربا كقولك:" قتلت زيدا" أعني
من جهة أنهما مفعولان.
و إن كان" زيد" موجودا
قبل قتلك إياه، و الضرب معدوما، قبل إيقاعك إياه: إلا أنك تعرفه و تقصد إليه و
تأمر به، فلما كان معناها أوقعت ضربا و قد كان الضرب معقولا مقصودا إليه مذكورا،
يصح الأمر به- صح أنه- قبل إيقاعك معلوم، فإذا صح ذلك فهو الفعل.
فإن قال قائل: إذا قلنا:"
ضربت زيدا ضربا" فالمصدر تأكيد للفعل، و إذا كان تأكيدا له فهو بعده، و ما
كان بعد الشيء فالأول أصل له، إذ كان الثاني متعلقا به.
قيل له: قد قلنا إن معنى ضربت ضربا
أوقعت ضربا. و ليس في ذلك دليل على أن الفعل قبل الاسم، كما لم يكن في قولك"
ضربت زيدا" ما يدل على أن زيدا بعد" ضربت" و كذلك الأسماء كلها.
و مما يدل على صحة قولنا في
المصدر، اجتماع النحويين على تلقيبه مصدرا، و المصدر المفهوم في اللغة هو الموضع
الذي يصدر عنه كقولهم:" مصدر الإبل و موردها" و للموضع الذي تصدر عنه و
ترده، فعقلنا بذلك أن الفعل قد صدر عن المصدر، حين استوجب بذلك، أن يسمى مصدرا،
كما وصفنا في المصدر و باللّه التوفيق.
و أما قوله:" و بنيت لما
مضى، و لما يكون و لم يقع، و لما هو كائن لم ينقطع".
اعلم أن" سيبويه" و من
نحا نحوه يقسم الفعل على ثلاثة أزمنة: ماض و مستقبل
اسم الکتاب : شرح كتاب سيبويه المؤلف : السيرافي، ابو سعید الجزء : 1 صفحة : 17