responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : دلائل الإعجاز في علم المعاني المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر    الجزء : 1  صفحة : 72

فينحل اللّفظ ما ليس له، و لا تزال ترى الشّبهة قد دخلت عليك في الكلام قد حسن من لفظه و نظمه، فظننت أن حسنه ذلك كلّه للّفظ منه دون النظم.

مثال ذلك: أن تنظر إلى قول ابن المعتز: [من الطويل‌]

و إنّي على إشفاق عيني من العدى‌

لتجمح منّي نظرة ثمّ أطرق‌

فترى أنّ هذه الطّلاوة و هذا الظرف، إنما هو لأن جعل النّظر «يجمح» و ليس هو لذلك، بل لأن قال في أول البيت «و إنّي» حتى دخل اللّام في قوله «لتجمح»، ثم قوله: «منّي» ثم لأن قال «نظرة» و لم يقل «النّظر» مثلا، ثم لمكان «ثم» في قوله:

«ثم أطرق»، و للطيفة أخرى نصرت هذه اللطائف، و هي اعتراضه بين اسم «إن» و خبرها بقوله: «على إشفاق عيني من العدى».

و إن أردت أعجب من ذلك فيما ذكرت لك، فانظر إلى قوله، و قد تقدم إنشاده قبل: [من البسيط]

سالت عليه شعاب الحيّ حين دعا

أنصاره بوجوه كالدّنانير

فإنك ترى هذه الاستعارة، على لطفها و غرابتها، إنما تمّ لها الحسن و انتهى إلى حيث انتهى، بما توخّى في وضع الكلام من التقديم و التأخير، و تجدها قد ملحت و لطفت بمعاونة ذلك و مؤازرته لها. و إن شككت فاعمد إلى الجارّين و الظرف، فأزل كلّا منها من مكانه الذي وضعه الشاعر فيه، فقل: «سالت شعاب الحيّ بوجوه كالدنانير عليه حين دعا أنصاره»، ثم انظر كيف يكون الحال، و كيف يذهب الحسن و الحلاوة؟

و كيف تعدم أريحيّتك التي كانت؟ و كيف تذهب النّشوة التي كنت تجدها؟.

و جملة الأمر أن هاهنا كلاما حسنه للّفظ دون النظم، و آخر حسنه للنظم دون اللفظ، و ثالثا قد أتاه الحسن من الجهتين، و وجبت له المزيّة بكلا الأمرين. و الإشكال في هذه الثالث، و هو الذي لا تزال ترى الغلط قد عارضك فيه، و تراك قد حفت فيه‌ على النّظم، فتركته و طمحت ببصرك إلى اللفظ، و قدّرت في حسن كان به و باللّفظ، أنه للّفظ خاصة. و هذا هو الذي أردت حين قلت لك: «إن في الاستعارة ما لا يمكن بيانه إلّا من بعد العلم بالنظم و الوقوف على حقيقته».


[1] انظر ديوان ابن المعتز (1/ 307).

[2] تقدم تخريجه.

[3] الحيف: الميل في الحكم و الجور و الظلم. اه اللسان مادة/ حيف/ (9/ 60).

اسم الکتاب : دلائل الإعجاز في علم المعاني المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر    الجزء : 1  صفحة : 72
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست