responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : دلائل الإعجاز في علم المعاني المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر    الجزء : 1  صفحة : 71

«جنّبك اللّه الشبهة، و عصمك من الحيرة، و جعل بينك و بين المعرفة نسبا، و بين الصّدق سببا، و حبّب إليك التثبّت، و زيّن في عينك الإنصاف، و أذاقك حلاوة التّقوى، و أشعر قلبك عزّ الحق، و أودع صدرك برد اليقين، و طرد عنك ذلّ اليأس، و عرّفك ما في الباطل من الذّلة، و ما في الجهل من القلّة».

و كقول بعضهم: «للّه درّ خطيب قام عندك، يا أمير المؤمنين، ما أفصح لسانه، و أحسن بيانه، و أمضى جنانه، و أبلّ ريقه، و أسهل طريقه».

و مثل قول النابغة في الثناء المسجوع: «أ يفاخرك الملك اللّخمي، فو الله لقفاك خير من وجهه، و لشمالك خير من يمينه، و لأخمصك خير من رأسه، و لخطؤك خير من صوابه، و لعيّك خير من كلامه، و لخدمك خير من قومه».

و كقول بعض البلغاء في وصف اللسان: «اللّسان أداة يظهر بها حسن البيان، و ظاهر يخبر عن الضمير، و شاهد ينبئك عن غائب، و حاكم يفصل به الخطاب، و واعظ ينهى عن القبيح، و مزيّن يدعو إلى الحسن، و زارع يحرث المودّة، و حاصد يحصد الضّغينة، و مُلهٍ يونق الأسماع».

فما كان من هذا و شبهه لم يجب به فضل إذا وجب، إلّا بمعناه أو بمتون ألفاظه، دون نظمه و تأليفه، و ذلك لأنه لا فضيلة حتى ترى في الأمر مصنعا، و حتى تجد إلى التخيّر سبيلا، و حتى تكون قد استدركت صوابا.

فإن قلت: أ فليس هو كلاما قد اطّرد على الصواب، و سلم من العيب؟ أ فما يكون في كثرة الصواب فضيلة؟

قيل: أمّا و الصواب كما ترى فلا. لأنا لسنا في ذكر تقويم اللسان، و التحرّز من اللحن و زيغ الإعراب، فنعتدّ بمثل هذا الصواب. و إنما نحن في أمور تدرك بالفكر اللطيفة، و دقائق يوصل إليها بثاقب الفهم، فليس درك صواب دركا فيما نحن فيه حتّى يشرف موضعه و يصعب الوصول إليه، و كذلك لا يكون ترك خطاء تركا حتى يحتاج في التحفّظ منه إلى لطف نظر، و فضل رويّة، و قوّة ذهن، و شدة تيقّظ. و هذا باب ينبغي أن تراعيه و أن تعنى به، حتى إذا وازنت بين كلام و كلام دريت كيف تصنع، فضممت إلى كلّ شكل شكله، و قابلته بما هو نظير له، و ميّزت ما الصنعة منه في لفظه، ممّا هي منه في نظمه.

و اعلم أن هذا- أعني الفرق بين أن تكون المزية في اللفظ، و بين أن تكون في النّظم- باب يكثر فيه الغلط، فلا تزال ترى مستحسنا قد أخطأ بالاستحسان موضعه،


[1] انظر الحيوان للجاحظ (1/ 3). في المقدمة.

اسم الکتاب : دلائل الإعجاز في علم المعاني المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر    الجزء : 1  صفحة : 71
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست