responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : دلائل الإعجاز في علم المعاني المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر    الجزء : 1  صفحة : 359

الحسن. ثم لا يعلم أنه قد أحسن. فأمّا الجهل بمكان الإساءة فلا تعدمه، فلست تملك إذا من أمرك شيئا حتى تظفر بمن له طبع إذا قدحته وري، و قلب إذا أريته رأى، فأمّا و صاحبك من لا يرى ما تريه، و لا يهتدي للذي تهديه، فأنت رام في غير مرمى، و معنّ نفسك في غير جدوى، و كما لا تقيم الشعر في نفس من لا ذوق له، كذلك لا تفهم هذا الشأن من لم يؤت الآلة التي بها يفهم، إلّا أنه إنما يكون البلاء إذا ظنّ العادم لها أنّه أوتيها، و أنه ممّن يكمل للحكم، و يصحّ منه القضاء، فجعل يقول القول لو علم غبّه لا ستحيى منه. فأمّا الذي يحسّ بالنقص من نفسه، و يعلم أنه قد عدم علما قد أوتيه من سواه، فأنت منه في راحة، و هو رجل عاقل قد حماه عقله أن يعدو طوره، و أن يتكلّف ما ليس بأهل له.

و إذا كانت العلوم التي لها أصول معروفة، و قوانين مضبوطة قد اشترك الناس في العلم بها، و اتّفقوا على أن البناء عليها، إذا أخطأ فيها المخطئ ثم أعجب برأيه، لم تستطع ردّه عن هواه، و صرفه عن الرأي الذي رآه، إلا بعد الجهد، و إلا بعد أن يكون حصيفا عاقلا ثبتا إذا نبّه انتبه، و إذا قيل: إنّ عليك بقيّة من النظر، وقف و أصغى، و خشي أن يكون قد غرّ، احتاط باستماع ما يقال له، و أنف من أن يلجّ من غير بيّنه، و يستطيل بغير حجّة، و كان من هذا وصفه يعزّ و يقلّ فكيف بأن تردّ الناس عن رأيهم في هذا الشأن، و أصلك الذي تردّهم إليه، و تعوّل في محاجّتهم عليه، استشهاد القرائح، و سبر النفوس و فليها، و ما يعرض فيها من الأريحيّة عند ما تسمع، و كان ذلك الذي يفتح لك سمعهم، و يكشف الغطاء عن أعينهم، و يصرف إليك أوجههم، و هم لا يضعون أنفسهم موضع من يرى الرأي و يفتي و يقضي، إلّا و عندهم أنهم ممّن صفت قريحته، و صحّ ذوقه، و تمّت أداته. فإذا قلت لهم: «إنكم قد أتيتم من أنفسكم»، ردّوا عليك مثله و قالوا: «لا، بل قرائحنا أصحّ، و نظرنا أصدق، و حسّنا أذكى، و إنّما الآفة فيكم لأنّكم خيّلتم إلى أنفسكم أمورا لا حاصل لها، و أوهمكم الهوى و الميل أن توجبوا لأحد النظمين المتساويين فضلا على الآخر، من غير أن يكون ذلك الفضل معقولا» فتبقى في أيديهم حسيرا لا تملك غير التعجّب. فليس الكلام إذن بمغن عنك، و لا القول بنافع، و لا الحجّة مسموعة، حتى تجد من فيه عون لك على نفسه،. و من إذا أبى عليك أبى ذاك طبعه فردّه إليك، و فتح سمعه لك، و رفع الحجاب بينك و بينه، و أخذ به إلى حيث أنت، و صرف ناظره إلى الجهة الّتي أومأت، فاستبدل بالنّفار أنسا، و أراك من بعد الإباء قبولا.

و لم يكن الأمر على هذه الجملة إلّا لأن ليس في أصناف العلوم الخفية، و الأمور

اسم الکتاب : دلائل الإعجاز في علم المعاني المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر    الجزء : 1  صفحة : 359
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست