responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : دلائل الإعجاز في علم المعاني المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر    الجزء : 1  صفحة : 262

من الأغراض و لم تجي‌ء إلى فعل أو اسم ففكرت فيه فردا، و من غير أن كان لك قصد أن تجعله خبرا أو غير خبر. فاعرف ذلك.

و إن أردت مثالا فخذ بيت بشّار: [من الطويل‌]

كأنّ مثال النّقع فوق رءوسنا

و أسيافنا ليل تهاوى كواكبه‌

و انظر هل يتصوّر أن يكون بشار قد أخطر معاني هذه الكلم بباله أفردا عارية من معاني النحو التي تراها فيها و أن يكون قد وقع «كأنّ» في نفسه من غير أن يكون قصد إيقاع التّشبيه منه على شي‌ء و أن يكون فكّر في «مثار النقع»، من غير أن يكون أراد إضافة الأول إلى الثاني و فكّر في «فوق رءوسنا»، من غير أن يكون قد أراد أن يضيف «فوق» إلى «الرءوس» و في «الأسياف» من دون أن يكون أراد عطفها بالواو على «مثار» و في «الواو» من دون أن يكون أراد العطف بها و أن يكون كذلك فكّر في «الليل»، من دون أن يكون أراد أن يجعله خبرا «لكأنّ» و في «تهاوى كواكبه»، من دون أن يكون أراد أن يجعل «تهاوى» فعلا للكواكب، ثم يجعل الجملة صفة لليل، ليتمّ الذي أراد من التشبيه؟ أم لم يخطر هذه الأشياء بباله إلّا مرادا منها هذه الأحكام و المعاني التي تراها فيها؟

و ليت شعري، كيف يتصوّر وقوع قصد منك إلى معنى كلمة من دون أن تريد تعليقها بمعنى كلمة أخرى؟ و معنى «القصد إلى معاني الكلم»، أن تعلم السامع بها شيئا لا يعلمه. و معلوم أنك، أيّها المتكلم، لست تقصد أن تعلم السامع معاني الكلم المفردة التي تكلّمه بها، فلا تقول: «خرج زيد»، لتعلمه معنى «خرج» في اللغة، و معنى «زيد». كيف؟ و محال أن تكلّمه بألفاظ لا يعرف هو معانيها كما تعرف. و لهذا لم يكن الفعل وحده من دون الاسم، و لا الاسم وحده من دون اسم آخر أو فعل، كلاما. و كنت لو قلت «خرج»، و لم تأت باسم، و لا قدّرت فيه ضمير الشي‌ء، أو قلت: «زيد»، و لم تأت بفعل و لا اسم آخر و لم تضمره في نفسك، كان ذلك و صوتا تصوّته سواء، فاعرفه.

و اعلم أن مثل واضع الكلام مثل من يأخذ قطعا من الذهب أو الفضّة فيذيب‌


[1] البيت في ديوانه، و ذكره الطيبي في التبيان (1/ 278) و عزاه لبشار، و أورده أيضا في شرحه على مشكاة المصابيح (1/ 106)، و القزويني في الإيضاح، و السكاكي في المفتاح (444، 461)، و أورده الرازي في نهاية الإيجاز [155] ، و محمد بن علي الجرجاني في الإشارات [180] ، و العلوي في الطراز.

اسم الکتاب : دلائل الإعجاز في علم المعاني المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر    الجزء : 1  صفحة : 262
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست