اسم الکتاب : دلائل الإعجاز في علم المعاني المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر الجزء : 1 صفحة : 193
و إن أردت أن تزداد للأمر تبيّنا، فانظر إلى بيت الفرزدق: [من
الكامل]
يحمي إذا اخترط السّيوف نساءنا
ضرب تطير له السّواعد أرعل
و إلى رونقه و مائه، و إلى ما عليه
من الطّلاوة. ثم ارجع إلى الذي هو الحقيقة و قل: «نحمي إذا اخترط السيوف نساءنا
بضرب تطير له السواعد أرعل»، ثم اسبر حالك؟ هل ترى مما كنت تراه شيئا؟
و هذا الضرب من المجاز على حدته
كنز من كنوز البلاغة، و مادّة الشاعر المفلق و الكاتب البليغ في الإبداع و
الإحسان، و الاتساع في طرق البيان، و أن يجيء بالكلام مطبوعا مصنوعا، و أن يضعه
بعيد المرام، قريبا من الأفهام. و لا يغرّنّك من أمره أنك ترى الرجل يقول: «أتى بي
الشوق إلى لقائك، و سار بي الحنين إلى رؤيتك، و أقدمني بلدك حقّ لي على إنسان»، و
أشباه ذلك مما تجده لسعته و شهرته يجري مجرى الحقيقة التي لا يشكل أمرها، فليس هو
كذلك أبدا، بل يدقّ و يلطف حتى يمتنع مثله إلا على الشاعر المفلق، و الكاتب
البليغ، و حتى يأتيك بالبدعة لم تعرفها، و النادر تأنق لها.
و جملة الأمر أن سبيله سبيل الضّرب
الأول الذي هو مجاز في نفس اللفظ و ذات الكلمة، فكما أنّ من الاستعارة و التمثيل
عاميّا مثل: «رأيت أسدا» و «وردت بحرا»، و «شاهدت بدرا»، و «سلّ من رأيه سيفا
ماضيا»، و خاصيّا لا يكمل له كلّ أحد، مثل قوله:
و سالت بأعناق المطيّ الأباطح كذلك
الأمر في هذا المجاز الحكميّ.
و اعلم أنه ليس بواجب في هذا أن
يكون للفعل فاعل في التقدير إذا أنت نقلت الفعل إليه عدت به إلى الحقيقة، مثل أنك
تقول في: رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ [البقرة:
16]، «ربحوا في تجارتهم»، و في «يحمي نساءنا ضرب»، «نحمي نساءنا
بضرب» فإن ذلك لا يتأتى في كل شيء. أ لا ترى أنّه لا يمكنك أن تثبت للفعل في
قولك:
«أقدمني بلدك حقّ لي على إنسان»، فاعلا سوى الحق، و كذلك لا تستطيع
في قوله:
[من مجزوء الوافر]
[1] البيت في ديوانه
[155] (ط) دار صادر، بيروت، و قبله:
و المانعون إذا النساء ترادفت
حذر السباء جمالها لا ترحل
أرعل: مسترخ مائل.
اسم الکتاب : دلائل الإعجاز في علم المعاني المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر الجزء : 1 صفحة : 193