responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : دلائل الإعجاز في علم المعاني المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر    الجزء : 1  صفحة : 171

لم يكن إلى الشك سبيل أن ذلك كان بالنّظم، فاجعله العبرة في الكلام كلّه، و رض نفسك على تفهّم ذلك و تتبّعه، و اجعل فيها أنك تزاول منه أمرا عظيما لا يقادر قدره، و تدخل في بحر عميق لا يدرك قعره.

فصل هو فنّ آخر يرجع إلى هذا الكلام‌

قد علم أنّ المعارض للكلام معارض له من الجهة التي منها يوصف بأنه فصيح و بليغ، و متخيّر اللفظ جيّد السّبك، و نحو ذلك من الأوصاف التي نسبوها إلى اللفظ.

و إذا كان هذا هكذا، فبنا أن ننظر فيما إذا أتي به كان معارضا ما هو؟ أ هو أن يجي‌ء بلفظ فيضعه مكان لفظ آخر، نحو أن يقول بدل «أسد» «ليث»، و بدل «بعد» «نأى»، و مكان «قرب» «دنا»، أم ذلك ما لا يذهب إليه عاقل و لا يقوله من به طرق‌؟ كيف؟ و لو كان ذلك معارضة لكان الناس لا يفصلون بين الترجمة و المعارضة، و لكان كل من فسّر كلاما معارضا له. و إذا بطل أن يكون جهة للمعارضة، و أن يكون الواضع نفسه في هذه المنزلة معارضا على وجه من الوجوه، علمت أن الفصاحة و البلاغة و سائر ما يجري في طريقهما أوصاف راجعة إلى المعاني، و إلى ما يدلّ عليه بالألفاظ، دون الألفاظ أنفسها، لأنه إذا لم يكن في القسمة إلّا المعاني و الألفاظ، و كان لا يعقل تعارض في الألفاظ المجرّدة، إلّا ما ذكرت، لم يبق إلا أن تكون المعارضة معارضة من جهة إلى معاني الكلام المعقولة، دون ألفاظه المسموعة. و إذا عادت المعارضة إلى جهة المعنى، و كان الكلام يعارض من حيث هو فصيح و بليغ و متخيّر اللفظ، حصل من ذلك أنّ «الفصاحة» و «البلاغة» و «تخيّر اللفظ» عبارة عن خصائص و وجوه تكون معاني الكلام عليها، و عن زيادات تحدث في أصول المعاني، كالذي أريتك فيما بين «زيد كالأسد» و «كأن زيدا الأسد»، و بأن لا نصيب للألفاظ من حيث هي ألفاظ فيها بوجه من الوجوه.

و اعلم أنك لا تشفي العلّة و لا تنتهي إلى ثلج اليقين، حتى تتجاوز حدّ العلم بالشي‌ء مجملا، إلى العلم به مفصّلا، و حتى لا يقنعك إلّا النّظر في زواياه، و التغلغل في مكامنه، و حتى تكون كمن تتبّع الماء حتى عرف منبعه، و انتهى في البحث عن جوهر العود الذي يصنع فيه إلى أن يعرف منبته، و مجرى عروق الشّجر الذي هو منه.


[1] طرق بكسر الطاء القوة. القاموس/ طرق/ [1166] .

اسم الکتاب : دلائل الإعجاز في علم المعاني المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر    الجزء : 1  صفحة : 171
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست