responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : دلائل الإعجاز في علم المعاني المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر    الجزء : 1  صفحة : 164

و مما لا يكون العطف فيه إلّا على هذا الحدّ قوله تعالى: وَ ما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنا إِلى‌ مُوسَى الْأَمْرَ وَ ما كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ. وَ لكِنَّا أَنْشَأْنا قُرُوناً فَتَطاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ وَ ما كُنْتَ ثاوِياً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا وَ لكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ‌ [القصص: 44- 45]، لو جريت على الظاهر فجعلت كلّ جملة معطوفة على ما يليها، منع منه المعنى. و ذلك أنه يلزم منه أن يكون قوله: «و ما كنت ثاويا في أهل مدين»، معطوفا على قوله: «فتطاول عليهم العمر»، و ذلك يقتضي دخوله في معنى «لكن»، و يصير كأنه قيل: «و لكنّك ما كنت ثاويا»، و ذلك ما لا يخفى فساده.

و إذا كان كذلك، بان منه أنّه ينبغي أن يكون قد عطف مجموع «و ما كنت ثاويا في أهل مدين» إلى «مرسلين»، على مجموع قوله: «و ما كنت بجانب الغربي إذ قضينا إلى موسى الأمر» إلى قوله «العمر».

فإن قلت: فهلّا قدّرت أن يكون «و ما كنت ثاويا في أهل مدين» معطوفا على «و ما كنت من الشّاهدين»، دون أن تزعم أنّه معطوف عليه مضموما إليه ما بعده إلى قوله «العمر»؟

قيل: لأنّا إن قدّرنا ذلك، وجب أن ينوى به التقديم على قوله: «و لكنّا أنشأنا قرونا» و أن يكون الترتيب «و ما كنت بجانب الغربيّ إذ قضينا إلى موسى الأمر و ما كنت من الشاهدين، و ما كنت ثاويا في أهل مدين تتلو عليهم آياتنا و لكنا أنشأنا قرونا فتطاول عليهم العمر و لكنّا كنا مرسلين»، و في ذلك إزالة «لكن» عن موضعها الذي ينبغي أن تكون فيه. ذاك لأن سبيل «لكن» سبيل «إلّا»، فكما لا يجوز أن تقول: «جاءني القوم و خرج أصحابك إلّا زيدا و إلا عمرا» بجعل «إلا زيدا» استثناء «من جاءني القوم»، و «إلا عمرا» من «خرج أصحابك»، كذلك لا يجوز أن تصنع مثل ذلك «بلكن» فتقول: «ما جاءني زيد، و ما خرج عمرو و لكنّ بكرا حاضرا، و لكنّ أخاك خارج»، فإذا لم يجز ذلك، و كان تقديرك الذي زعمت يؤدّي إليه، وجب أن تحكم بامتناعه. فاعرفه.

هذا، و إنما تجوز نيّة التأخير في شي‌ء معناه يقتضي له ذلك التأخير، مثل أن كون الاسم مفعولا، يقتضي له أن يكون بعد الفاعل، فإذا قدّم على الفاعل نوي به التأخير، و معنى «لكن» في الآية، يقتضي أن تكون في موضعها الذي هي فيه، فكيف يجوز أن ينوى بها التأخير عنه إلى موضع آخر؟.

اسم الکتاب : دلائل الإعجاز في علم المعاني المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر    الجزء : 1  صفحة : 164
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست