اسم الکتاب : دلائل الإعجاز في علم المعاني المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر الجزء : 1 صفحة : 157
السامع لأن يسأله فيقول: «فما قولك في ذلك، و ما جوابك عنه؟»، أخرج
الكلام مخرجه إذا كان ذلك قد قيل له، و صار كأنه قال: «أقول: صدقوا، أنا كما
قالوا، و لكن لا مطمع لهم في فلاحي»، و لو قال: «زعم العواذل أنني في غمرة و
صدقوا»، لكان يكون لم يضع في نفسه أنه مسئول، و أن كلامه كلام مجيب.
و مثله قول الآخر في الحماسة: [من
الكامل]
زعم العواذل أنّ ناقة جندب
بجنوب خبت عرّيت و أجمّت
كذب العواذل لو رأين مناخنا
بالقادسيّة قلن: لجّ و ذلّت
و قد زاد هذا أمر القطع و الاستئناف
و تقدير الجواب، تأكيدا بأن وضع الظّاهر موضع المضمر، فقال: «كذب العواذل»: و لم
يقل «كذبن»، و ذلك أنه لما أعاد ذكر «العواذل» ظاهرا، كان ذلك أبين و أقوى، لكونه
كلاما مستأنفا من حيث وضعه وضعا لا يحتاج فيه إلى ما قبله، و أتى به مأتى ما ليس
قبله كلام و مما هو على ذلك قول الآخر: [من الوافر] زعمتم أنّ إخوتكم قريش!* لهم
إلف، و ليس لكم إلاف و ذلك أنّ قوله: «لهم إلف» تكذيب لدعواهم أنّهم من قريش، فهو
إذن بمنزلة أن يقول: «كذبتم، لهم إلف، و ليس لكم ذلك»: و لو قال: «زعمتم أنّ
إخوتكم قريش و لهم إلف و ليس لكم إلاف»، لصار بمنزلة أن يقول: «زعمتم أن أخواتكم
قريش و كذبتم»، في أنه كان يخرج عن أن يكون موضوعا على أنه جواب سائل يقول له:
«فما ذا تقول في زعمهم ذلك و في دعواهم؟» فاعرفه.
و اعلم أنّه لو أظهر «كذبتم»، لكان
يجوز له أن يعطف هذا الكلام الذي هو قوله: «لهم إلف» عليه بالفاء، فيقول: «كذبتم
فلهم إلف، و ليس لكم ذلك». فأما الآن فلا مساغ لدخول الفاء البتّة، لأنه يصير
حينئذ معطوفا بالفاء على قوله: «زعمتم
[1] البيتان في الإيضاح
[157] ، و هو في شرح الحماسة للتبريزي (1/
162)، و جندب هو الشاعر و نسبه في معاهد التنصيص (1/ 281)، و قال: «جندب بن عمار».
خبت: موضع بالشام و بلدة بزبيد، أجمت: أي تركت أن تركب.
[2] البيت لمساور بن هند بن قيس بن زهير، من شعراء الحماسة يهجو
بني أسد، و أورده القزويني في الإيضاح
[158] ، و السكاكي في مفتاح العلوم
[271] ، و
الإلف: الذي تألفه. إيلاف: العهد و الذمام.
اسم الکتاب : دلائل الإعجاز في علم المعاني المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر الجزء : 1 صفحة : 157