responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : دلائل الإعجاز في علم المعاني المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر    الجزء : 1  صفحة : 13

فاتحة المؤلف فى بيان مكانة العلم‌

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم حسبي ربّي الحمد للّه ربّ العالمين حمد الشاكرين، نحمده على عظيم نعمائه، و جميل بلائه، و نستكفيه نوائب الزمان، و نوازل الحدثان‌، و نرغب إليه في التوفيق و العصمة، و نبرأ إليه من الحول و القوّة و نسأله يقينا يملأ الصّدر، و يعمر القلب، و يستولي على النفس، حتّى يكفّها إذا نزغت‌، و يردّها إذا تطلّعت، و ثقة بأنه عزّ و جلّ الوزر، و الكالئ و الراعي و الحافظ، و أنّ الخير و الشّرّ بيده، و أن النّعم كلّها من عنده، و أن لا سلطان لأحد مع سلطانه، نوجّه رغباتنا إليه، و نخلص نيّاتنا في التوكّل عليه، و أن يجعلنا ممن همه الصدق، و بغيته الحقّ، و غرضه الصواب، و ما تصحّحه العقول و تقبله الألباب، و نعوذ به من أن ندّعي العلم بشي‌ء لا نعلمه، و أن نسدّي‌ قولا لا نلحمه، و أن نكون ممّن يغرّه الكاذب من الثناء، و ينخدع للمتجوّز في الإطراء، و أن يكون سبيلنا سبيل من يعجبه أن يجادل بالباطل، و يموّه على السامع، و لا يبالي إذا راج عنه القول أن يكون قد خلّط فيه، و لم يسدّد في معانيه، و نستأنف الرغبة إليه عزّ و جلّ في الصلاة على خير خلقه، و المصطفى من بريّته، محمد سيد المرسلين، و على أصحابه الخلفاء الراشدين، و على آله الأخيار من بعدهم أجمعين.

و بعد فإنّا إذا تصفّحنا الفضائل لنعرف منازلها في الشّرف، و نتبيّن مواقعها من العظم؛ و نعلم أيّ أحقّ منها بالتّقديم، و أسبق في استيجاب التعظيم، وجدنا العلم أولاها بذلك، و أوّلها هنالك؛ إذ لا شرف إلّا و هو السبيل إليه، و لا خير إلّا و هو الدّليل عليه، و لا منقبة إلّا و هو ذروتها و سنامها، و لا مفخرة إلّا و به صحّتها و تمامها. و لا


[1] حدثان الدهر و حوادثه نوبه و ما يحدث منه. اه اللسان مادة/ حدث/ (2/ 132) و الحدثان:

الليل و النهار.

[2] نزغ الشيطان بينهم ينزغ نزغا أي أفسد و أغرى. اه الصحاح مادة/ نزغ/ (2/ 556).

(3) الوزر بفتحتين الملجأ. اه مختار الصحاح مادة/ وزر/ [718] .

[4] و هي خلاف لحمة الثوب و هو ما يمد طولا في النسج. اه اللسان مادة/ سدى/ (14/ 375).

[5] المنقبة الفعل الكريم و هي ضد المثلبة. اه اللسان مادة/ نقب/ (1/ 768) بتصرف.

دلائل الإعجاز في علم المعاني، ص: 14

حسنة إلّا و هو مفتاحها؛ و لا محمدة إلّا و منه يتّقد مصباحها، هو الوفيّ إذا خان كلّ صاحب، و الثقة إذا لم يوثق بناصح، لو لاه لما بان الإنسان من سائر الحيوان إلّا بتخطيط صورته، و هيئة جسمه و بنيته، لا، و لا وجد إلى اكتساب الفضل طريقا، و لا وجد بشي‌ء من المحاسن خليقا. ذاك لأنّا و إن كنّا لا نصل إلى اكتساب فضيلة إلّا بالفعل، و كان لا يكون فعل إلّا بالقدرة، فإنّا لم نر فعلا زان فاعله و أوجب الفضل له، حتى يكون عن العلم صدره‌، و حتى يتبيّن ميسمه‌ عليه و أثره. و لم نر قدرة قطّ كسبت صاحبها مجدا و أفادته حمدا، دون أن يكون العلم رائدها فيما تطلب، و قائدها حيث يؤمّ و يذهب، و يكون المصرّف لعنانها؛ و المقلّب لها في ميدانها.

فهي إذن مفتقرة في أن تكون فضيلة إليه، و عيال في استحقاق هذا الاسم عليه، و إذا هي خلت من العلم أو أبت أن تمتثل أمره؛ و تقتفي أثره و رسمه، آلت و لا شي‌ء أحشد للذمّ على صاحبها منها، و لا «شين أشين‌» من أعماله لها.

فهذا في فضل العلم لا تجد عاقلا يخالفك فيه، و لا ترى أحدا يدفعه أو ينفيه.

فأما المفاضلة بين بعضه و بعض، و تقديم فنّ منه على فنّ، فإنك ترى الناس فيه على آراء مختلفة، و أهواء متعادية، ترى كلّا منهم لحبّه نفسه، و إيثاره أن يدفع النقص عنها، يقدّم ما يحسن من أنواع العلم على ما لا يحسن، و يحاول الزّراية على الذي لم يحظ به، و الطّعن على أهله و الغضّ منهم، ثم تتفاوت أحوالهم في ذلك، فمن مغمور قد استهلكه هواه، و بعد في الجور مداه، و من مترجّح فيه بين الإنصاف و الظلم، يجور تارة و يعدل أخرى في الحكم، فأمّا من يخلص في هذا المعنى من الحيف حتى لا يقضي إلّا بالعدل، و حتى يصدر في كل أمره عن العقل، فكالشي‌ء الممتنع وجوده. و لم يكن ذلك كذلك، إلا لشرف العلم و جليل محلّه، و أنّ محبته مركوزة في الطباع، و مركّبة في النفوس، و أن الغيرة عليه لازمة للجبلّة، و موضوعة في‌


[1] أي: العلم.

[2] و هو نقيض الورد. و هو الطريق إلى الماء للارتواء. اه اللسان مادة/ صدر/ (4/ 448).

[3] هو اسم الآلة التي يوسم بها الدواب و الجمع مواسم و مياسم. اه اللسان مادة/ وسم/ (12/ 636).

[4] بكسر العين و هو السير الذي تمسك به الداية و الجمع أعنّة. اه اللسان مادة/ عنن/ (13/ 291).

[5] هو العيب. اه اللسان مادة/ شين/ (13/ 244).

[6] زريت عليه و زرى عليه بالفتح زريا و زراية: عابه و عاتبه. اه الصحاح مادة/ زري/ (14/ 356).

اسم الکتاب : دلائل الإعجاز في علم المعاني المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر    الجزء : 1  صفحة : 13
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست