اسم الکتاب : دلائل الإعجاز في علم المعاني المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر الجزء : 1 صفحة : 112
هذه، لأنها أحسن في هذا الكلام خصوصا. و سبب حسنه أنه كأنه بدع عجيب
أن يشاء الإنسان أن يبكي دما. فلما كان كذلك، كان الأولى أن يصرّح بذكره ليقرّره
في نفس السامع و يؤنسه به.
و إذا استقريت وجدت الأمر كذلك
أبدا متى كان مفعول «المشيئة» أمرا عظيما، أو بديعا غريبا، كان الأحسن أن يذكر و
لا يذكر و لا يضمر. يقول الرجل بخبر عن عزّة: «لو شئت أن أردّ على الأمير رددت» و
«لو شئت أن ألقى الخليفة كلّ يوم لقيت». فإذا لم يكن مما يكبره السامع، فالحذف
كقولك: «لو شئت خرجت»، و «لو شئت قمت»، و «لو شئت أنصفت»، و «لو شئت لقلت»، و في
التنزيل: لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا
[الأنفال: 31]، و كذا تقول: «لو شئت كنت كزيد»، قال:
[من البسيط]
لو شئت كنت ككرز في عبادته
أو كابن طارق حول البيت و الحرم
و كذلك الحكم في غيره من حروف
المجازاة أن تقول: «إن شئت قلت» و «إن أردت دفعت»، قال اللّه تعالى
فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ [الشورى:
24]، و قال عزّ اسمه: مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَ مَنْ
يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ
[الأنعام: 39]، و نظائر ذلك من الآي، ترى الحذف فيها المستمرّ.
و مما يعلم أن ليس فيه لغير الحذف
وجه قول طرفه: [من الطويل]
و إن شئت لم ترقل، و إن شئت أرقلت
مخافة ملويّ من القّدّ محصد
و قول حميد: [من الطويل]
[1] من شعر عبد اللّه بن شبرمة القاضي الفقيه، يقوله لابن هبيرة و
يذكر فيه: «كرز بن وبرة الحارثي الجرجاني العابد، و محمد بن طارق» قال ابن شبرمة
لما سمع ابن هبيرة الشعر قال له: من كرز؟
و من ابن طارق؟ قال: فقلت له:
أما كرز فكان إذا كان في سفر و اتخذ الناس منزلا اتخذ هو منزلا للصلاة، و أما ابن
طارق: فلو اكتفى أحد بالتراب كفاه كف من تراب، و كان كرز يختم القرآن في كل يوم و
ليلة ثلاث ختمات، و كان محمد بن طارق يطوف في كل يوم و ليلة سبعين أسبوعا كان
يقدّر طوافه في اليوم عشرة فراسخ. و البيت في حلية الأولياء (5/ 81- 82)، و في
ترجمة كرز بن و برة الحارثي، و بعده:
قد حال دون لذيذ العيش حدهما
و شمّرا في طلاب الفوز و الكرم
[2] البيت في ديوانه
[31] ، و في شرح المعلقات العشر
[73] ، و هو من
معلقته. الإرقال: دون العدو و فوق السير.
اسم الکتاب : دلائل الإعجاز في علم المعاني المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر الجزء : 1 صفحة : 112