اسم الکتاب : دلائل الإعجاز في علم المعاني المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر الجزء : 1 صفحة : 11
عظيم المزيّة، و باهر الفضل، و العجيب من الرّصف، حتى أعجز الخلق
قاطبة، و حتى قهر من البلغاء و الفصحاء القوى و القدر، و قيّد الخواطر و الفكر،
حتى خرست الشّقاشق، و عدم نطق الناطق، و حتى لم يجر لسان، و لم يبن بيان، و لم
يساعد إمكان، و لم ينقدح لأحد منهم زند، و لم يمض له حدّ، و حتى أسال الوادي عليهم
عجزا، و أخذ منافذ القول عليهم أخذا؟ أ يلزمنا أن نجيب هذا الخصم عن سؤاله، و
نردّه عن ضلاله، و أن نطبّ لدائه، و نزيل الفساد عن رائه؟ فإن كان ذلك يلزمنا،
فينبغي لكل ذي دين و عقل أن ينظر في الكتاب الذي وضعناه، و يستقصي التأمّل لما
أودعناه، فإن علم أنه الطريق إلى البيان، و الكشف عن الحجة و البرهان، تبع الحقّ و
أخذ به، و إن رأى له طريقا غيره أومأ لنا إليه، و دلّنا عليه، و هيهات ذلك! و هذه
أبيات في مثل ذلك:
إنّي أقول مقالا لست أخفيه
و لست أرهب خصما، إن بدا، فيه
ما من سبيل إلى إثبات معجزة
في النّظم، إلّا بما أصبحت أبديه
فما لنظم كلام أنت ناظمه
معنى سوى حكم إعراب تزجّيه
اسم يرى و هو أصل للكلام، فما
يتمّ من دونه قصد لمنشيه
و آخر هو يعطيك الزّيادة في
ما أنت تثبته أو أنت تنفيه
تفسير ذلك: أنّ الأصل مبتدأ
تلقى له خبرا من بعد تثنيه
و فاعل مسند، فعل تقدّمه،
إليه، يكسبهوصفا و يعطيه
هذان أصلان، لا تأتيك فائدة
من منطق لم يكونا من مبانيه
و ما يزيدك من بعد التّمام، فما
سلّطت فعلا عليه في تعدّيه
[1] و هي جمع «القوّة». اه اللسان مادة/ قوا/ (15/ 207).
[2] مفردها القدر و هو القوّة. اه اللسان مادة/ قدر/ (5/ 76).
[3] مفردها الشّقشقة: و هي لهاة البعير و لا تكون إلا للعربي منها.
و قيل: هو شيء كالرئة يخرجها البعير من فيه إذا هاج و الجمع الشقاشق و يقال
للفصيح هدرت شقشقته. و منه سمّي الخطباء شقاشق.